اكثر رسالة بعثت على الارتياح في لقائنا مع السفير جيفري فيلمان، نائب مساعد وزير الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الادنى، ودانيال شيبيرو، مسؤول قسم الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي الامريكي، كان تأكيدهما على ان ادارة اوباما في تعاملها مع الشرق الاوسط تنتهج اسلوب "الادارة بالنتائج"، بمعنى انها ستتبنى وتقيّم السياسات بناء على قدرتها التنفيذية واحقاق نتائج ملموسة قابلة للقياس. تأتي اهمية هذا التأكيد لانه يدلل على معرفة واستجابة لسواد حالة من الاحباط في الرأي العام الشرق اوسطي حول جدية وقدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعد عقود من الحديث والتعهدات التي خلت من اي تصميم سياسي خلفها.
ما دار في اللقاء كان انعكاسا دقيقا للحالة الايجابية التي تسود الشرق الاوسط الان المستبشر بالادارة الامريكية الجديدة، ولكنه ايضا عكس قناعة دفينة ان الشيطان يكمن بالتفاصيل وان ادارة اوباما تمر الان بشهر عسل سياسي في الشرق الاوسط سينتهي عندما تبدأ التفاصيل بالتوضح بعد ان يجد احد اطراف النزاع نفسه ابعد من الاخر عن مواقف الادارة الامريكية وعندها سيحاول الانقضاض على هذه السياسيات وتقويضها ما امكنه ذلك. واذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإننا نستقرء خلافا او تناقضا سياسيا ما بين حكومة نتنياهو القادمة وادارة اوباما والذي سيكون عنوانه قناعة او عدم قناعة ادارة اوباما بإن ترفيع اولويات الامن والانتعاش الاقتصادي للفلسطينيين كما يريد نتنياهو هو الطريق الافضل والاسرع لاحقاق حل الدولتين. المسؤولان الامريكيان كانا دبلوماسيين بالحديث عن استعداد ادارة اوباما للضغط على اسرائيل اذا ما وصلنا لحالة التناقض تلك مؤكدان انهم بإنتظار تشكيل الحكومة الاسرائيلية وانهم سيتعاملوا معها ضمن قناعاتهم الاستراتيجية الراسخة حول الصراع، مؤكدين انهم يعتقدوا ان "حل الدولتين امر حتمي" ومصلحة اسرائيلية كما هو مصلحة عربية وطموح وطني فلسطيني.
الحكم على اوباما من خلال اسابيعه الست الاولى بالاضافة لحملته الانتخابية، ربما يجعلنا نصنف الرجل في شأن تعامله مع الشرق الاوسط كقريب لواقعية بوش الاب وجيمس بيكر التي انتجت تقدما ملموسا على ارض الواقع، ودبلوماسية بل كلنتون التي احبها الشرق اوسطيون وكادت ان تؤتي اكلها. ادارة اوباما تبدو مدركة لضرورة ان تصب جهودها ليس فقط على جلب الاسرائيليين والفلسطينيين لطاولة المفاوضات ومن ثم الانتظار خارج غرفة الاجتماعات، بل ان تكون جزءا من صياغة الاتفاقات والضغط على الاطراف لتنفيذها وهو ما يعتبر سر نجاح بيكرفي مدريد. في الطريق الى اجواء مدريدية مؤملة، تبدو متغيرات "حتمية حل الدولتين" وضرورات ان "تتصرف السلطة الوطنية كالدول خاصة انها تسعى لان تصبح دولة" هي ما سيتم التركيز عليه كما اكد المسؤلان.
اما فيما يختص بشأن ملف التعامل مع سوريا فقد كان التأكيد ان الحديث مع سوريا "لا يجب ان ينظر له على انه مفاوضات بل وسيلة للوصول لاهداف ولكنه ليس مكافئة بحد ذاته"، ولكن هذا لن يثنينا عن الاعتقاد بتنامي القناعة الامريكية ان سوريا هي مفتاح للتعامل مع العديد من الملفات في الشرق الاوسط وانها الصرارة التي تسند تحالف ايران حزب الله وبالتالي فإن سحبها من هذا التحالف سيحقق سبقا استراتيجيا هائلا للادارة الامريكية، وهي قناعة من شأنها جعل سوريا مقدمة على افضل ايامها السياسية منذ امد طويل.
سياسة نشر الديمقراطية كانت من المواضيع الغائبة حيث فضّل مندوبي الادارة عدم التعليق عليها ما يؤكد انطباعاتنا ان الادارة لا تزال بمرحلة حيرة بشأنها، وانها لا زالت تخوض بحسابات الربح والخسارة المرتبطة بهذه السياسة في محاولتها الموائمة ما بين الضغوط بضرورات الكف والانقلاب على هذه السياسة التي اضرت احيانا بالمصالح الامريكية خاصة ضمن منهجية بوش في نشرها، وبين كونها سياسة راسخة ومرتبطة بالمنظومة القيمية الامريكية ما جعل بل كلنتون يعتبرها واحد من ثلاث اركان لسياسة الامن القومي لادارته، ناهيك عن توقيع العديد من المثقفين وقادة الرأي الامريكيين على رسالة لاوباما لحثه على الاستمرار بهذه السياسة واضعينه تحت ضغط سياسي نخبوي يصعب القفز عنه. نقدر ان سياسة نشر الديمقراطية والحديث عنها سيستخدم كمكافئة او آداة لمعاقبة الدول والحلفاء بحسب درجة تعاونهم بملفات سياسية اقليمية اخرى، ولكنها لن تكون مصدر توتر للعلاقات بين امريكا وحلفائها غير الديمقراطيين.
mohamed.momani@alghad.jo