بإعلان رئيسة الهيئة المركزية للانتخابات الروسية الرئاسية إيلا مافيلوفنا بدء الحملة الانتخابية بتاريخ 18 /12 /2017، وبإشهار مجلس الاتحاد الروسي يوم 2018/3/18 للاقتراع يكون كوكب الفدرالية الروسية بما يملك من مساحة جغرافية تزيد عن الـ(17) مليوناً من الكيلومترات المربعة، ويقارب الـ(143) مليوناً من الديمغرافيا السكانية، قد تحرك وبأزمان مختلفة حيث تشرق الشمس وتغيب ذات الوقت صوب صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد الروسية وجمهوريتها ولقصرها الكرملين التاريخي، وكون أن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير فلاديمورفيج بوتين قرر أن يدخل حلبة الجولة الانتخابية الرئاسية الرابعة بعد إعلانه ذلك ليس من الكرملين، ولكن من وسط مصنع في مدينة (نيجني نوف قورد).
وبعد اجتيازه لجولات ثلاث سابقة وبنجاح، ولما يتمتع به من كاريزما وصفات شخصية وإدارية تجمع بين المرونة والصلابة وبعد النظر، وبسبب حرص روسيا المعاصرة على ديمومة النهوض والاستقرار وسط أقطاب العالم، فإن فرصة الفوز الساحقة ستكون لصالح بوتين دون غيره، وبكل تأكيد وبفارق كبير رغم ارتفاع عدد المرشحين إلى (51 (مرشحاً.
ولقد ركزت الفترة الرئاسية الأولى لبوتين على التحليق بعيداً عن حقبة بوريس يلتسين المتعثرة، وعن صدى انهيار الاتحاد السوفييتي المدوي، وحزبه الشيوعي الحاكم آنذاك، الذي احتفظ بالأيديولوجيا ولم يُنجح آفاق الشيوعية التي ارتكزت على الاشتراكية، وهدفت لترسيخ الرقابة الذاتية، وإلغاء العملة الوطنية. وامتهنت الفترة تعدد الأقطاب بعداً استراتيجياً، وأحدقت النظر في الإرث التاريخي لمماحكات الحرب الباردة وتحولاتها السوفيتية والروسية مع أمريكا والغرب وحلف الناتو العسكري، وكان هذا بين الأعوام 2000 – 2004 ،وسيطرت على اهتزازات القفقاس.
واتسمت فترته الرئاسية الثانية 2004 – 2008 بتعزيز البوتينية المرتكزة على خبراته الأمنية السابقة في جهازي الـ(B.G.K (والـ(B.C.F (والإدارية كذلك، وواصلت النظام المركزي الاقتصادي الموروث عن الاتحاد السوفيتي، واستندت على الحزب الحاكم الروسي الجديد (روسيا الموحدة) المؤسس عام 2001 ،وحققت له فوزاً متكرراً بوجود الحزب الشيوعي التاريخي المنافس، باني الاتحاد السوفييتي. وواصلت بناء العسكرة والفضاء، وحفظ إيقاع امتداد الحرب الباردة بين أمريكا تحديداً، ودول الناتو الغربية، وبين بلاده روسيا.
وزاد بوتين من شعبيته من (53 (%من أصوات مواطني روسيا في الفترة الرئاسية الأولى إلى (3,71 (%في الفترة الثانية، وانقسم كبار الساسة والاقتصاد في عهده بين معارض ومؤيد أمثال بريماكوف، ولوجكوف، وشايمييف، وخودوروفسكي، وبيريزوفسكي.
ولم يكن بإمكان روسيا أن تبقي على بوتين رئيساً للدولة لفترة رئاسية ثالثة مباشرة خلافاً للدستور الروسي الصادر عام 1993 ،فتم الدفع بابن مدينة بوتين، ليننغراد (سانت بيتربورغ)، ديمتري ميدفيديف، رجل القانون رئيساً لروسيا بالانتخاب، والإبقاء على بوتين رئيساً للوزراء بينما تركت الولاية العامة لبوتين الذي حقق نجاحاً وقتها في استقلال إقليم كوسوفو والبرنامج النووي الإيراني.
وفي 21 /1 /2009 جرى تعديل الدستور الروسي لتصبح الفترة الرئاسية ست سنوات بدلاً من أربع، ومهد التعديل لمواصلة خوض بوتين فترة رئاسية ثالثة، اعتباراً من 2012 ،وجاء بمدفيديف رئيساً للوزراء، وهو المعروف بالهادئ والمهذب والجاهز لترك السلطة لبوتين متى أرادت روسيا وجهاز امنها، ومتى أراد بوتين نفسه ذلك، وهو ما حصل بعد فترة ميدفيديف الرئاسية مباشرة. وشهدت فترة بوتين الثالثة نهوضاً أكبر لروسيا على مستوى الفضاء والعسكرة الفضائية، والجيش والبحرية، والاقتصاد بخاصة المرتكز على العلاقات الدولية المتوازنة، وانفتاحاً ملاحظاً على العرب، وتصعيداً للحرب الباردة من طرف أميركا تحديداً مع روسيا، واتهاماً زوراً بالتلاعب بالانتخابات الأميركية الرئاسية والقدوم
بالرئيس ترمب، رغم أن موسكو سياسياً تقف دائماً مع الفائز سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، وتبارك له، وتفتح أبواب التعاون معه، لكنها سياسة شطرنج الحرب الباردة وسعيرها، التي يصعب إيقاف وتيرتها بسهولة في زمن الحرص على البقاء في القمة.
وشخصياً، لا أعتقد بأن الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسين، هو من اكتشف شخصية بوتين التي سرعان ما تحولت إلى فولاذية مع تقلب الأحداث ودوران الزمن إلى الأمام، ولا ننسى بأن جهاز الـ K.G.B الذي خدم فيه وقاده لاحقاً وتحول في عهده إلى F.C.B هو من ساهم بصناعته بقوة وبدقة.
يقول وولتر لاكوير، المؤلف الأميركي لكتاب البوتينية، (ص77» (لقد كان بيريزوفسكي أول من رشح بوتين رئيساً للوزراء خلفاً ليفجيني بريماكوف، والذي بحسب بيريزوفسكي لم يكن قادراً على مجابهة المشكلات الاقتصادية والتصدي لها.
وكان بوتين حينها يقضي فترة راحة واستجمام في أسبانيا، في فيلا تعود لبيريزوفسكي، وكان لا بد من بعض الإثارة والتحفيز. كان بوتين يعرف بالطبع إن كل رؤساء الوزراء في السنوات الأخيرة قد منيوا بالفشل. علاوة على ذلك، لم تكن لدى بوتين أية خبرات اقتصادية. هل بوسعه النجاح حيث فشل الآخرون؟ في النهاية، كانت الغلبة للطموح، وقبل بوتين عرض العمل». انتهى الاقتباس. وتعليقي هنا هو بأن بيريزوفسكي ملياردير يهودي حمل جواز السفر الإسرائيلي، وكان قبل وفاته في لندن في ظروف غامضة يمتلك أهم مفاتيح السياسة في روسيا، وإلى جانبه مثيله ابراموفيج، وآخرون.
وشخصية بوتين تجاوزت كل الأسماء السابقة والحالية، واخترقت حاجز صوت السياسة العالمية. ومن أهم إنجازاته السيطرة على طبقة الأوليغارج في بلاده الواسعة روسيا، ونجاح بلاده في عهده في السيطرة على عملية (نورد اوست) في موسكو، وإعادة النشيد الوطني السوفييتي المحبب، ومواجهته وبلاده لحادثة مدرسة بيسلان المأساوية، وتألقه في خطابه في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط 2007 ،حيث أكد فيه بأن روسيا تريد الإبقاء على انفتاحها الدولي لكن ليس على حساب مصالحها القومية، محذراً الغرب وموجهاً رسالة لأميركا تحديداً من مغبة المضي في سياسة أحادية القطب، الذي لم يعد حاكماً وفق نهج روسيا وإيمانها بعالم متوازن ومتعدد الأقطاب.
ونجح الرئيس بوتين، وعبر مسار القانون في إعادة إقليم القرم/الكريم ولم يلتفت لتحرش أميركا في موضوعه، وأنجح اتفاقية (مينسك) بشأن الأزمة الأوكرانية بعد الانقلاب البنديري الذي قاده يوري باراشينكا في كييف، واصطدم من خلاله مع شرق أوكرانيا، وسبق لبوتين وحتى بوجود ميدفيديف رئيساً لروسيا من السيطرة على الاهتزاز الجورجي الذي تسببه الهائج سااكاشفيله. ونجحت روسيا في عهد فترة بوتين الرئاسية الثالثة في عقد الأولمبياد الشتوي في مدينة سوتشي على البحر الأسود، وها هو يجهز بلاده الآن لتحلق عالياً هذا العام 2018 في أولمبياد كرة القدم رغم عدم تصنيف روسيا مع مصاف الدول المحترفة في هذا المجال الرياضي الهام دولياً.
وفي المقابل يعيب عليه الناقدون وسط الرأي العام تفرده بالسلطة إلى الأمام لتصل (20 عاماً)، بينما تناسى عامة الناس استفراد الشيوعيين بالسلطة (73 عاماً) عبر شخصيات لينين وستالين ومالينكوف وخرتشوف، وبريجنيف، واندروبوف، وتشيرنينكو، وغورباتشوف من زعماء السوفييت، ويحلو للبعض الآخر إلباسه ثوب تطاول بلاده روسيا على ناس سورية في إطار ما يسمى بالفوبيا الروسية، أي الخوف غير المبرر من روسيا، وتوجيه اتهامات باطلة لها في الشأن السوري تحديداً، واعتبار اخطاء الحرب الروسية على الإرهاب على أنها قصدت بسطاء الناس، وهم الذين تضرروا فعلاً جراء فوضى الحرب هذه التي شاركت فيها جموع إرهابية مثلت (80 (دولة.
واشترك الإعلام الغربي والعربي أيضاً في دولاب الدعاية المضادة لروسيا في الشأن السوري تحديداً، مغفلاً دور موسكو الحقيقي في السياسة والدبلوماسية الناجحة في ردم الانفجار السوري عبر جنيف والاستانا وسوتشي، ودورها في مطاردة الإرهاب خارج حدودها وبحجم وصل إلى (5000 (إرهابي انضموا إلى صفوف عصابتي (داعش) و(النصرة) المجرمتين، ومعتماً على دور روسيا في تحرير المدن البلدات السورية، وفي إزالة الألغام ، وتقديم المساعدات للمشردين واللاجئين، وبكميات كبيرة من الأطنان، وفي فتح معسكرات للشباب والأطفال داخل الأراضي السورية لإنقاذ حياتهم.
واستيعاب روسي ملاحظ في عهد بوتين ووسط ولايته الثالثة التي شارفت على الانتهاء لأمريكا بقيادة الرئيس دونالاد ترمب، رغم تمرده على روسيا بعد أوباما بواسطة إنزال العلم الروسي من فوق قنصلية موسكو في واشنطن، وطرد الدبلوماسيين الروس، وتوجيه عقوبات اقتصادية لروسيا في شأن أوكرانيا، واصفاً إياه بالمحاور الجيد، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا أردوغان، ولإيران علي خامنئي وحسن روحاني، وتقريبهم من الملف السوري الذي شارف على تحريره من الإرهاب.
وتمنيات البعض لموسكو لا زالت عالقة بخصوص المرحلة الانتقالية في دمشق أن تستبدل الرئيس بشار الأسد بفاروق الشرع أو بأحد رموز المعارضة الوطنية السورية حال توحدها. عبر صناديق الاقتراع، أو بإشراك المعارضة في السلطة وبتوازن بوجود الأسد على رأسها، وهو الخيار الأصعب.
والآن الانتخابات الرئاسية الروسية أصبحت على الأبواب، وتزاحم شكلي للمرشحين، ولأول مرة يتخلى الرئيس بوتين عن إسناد حزبه الحاكم «روسيا الموحدة. ومن المرجح أن يرشح الحزب الشيوعي كبير المزارعين بافل غرودينين للانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة.
وأعلن فلاديمير جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي في مجلس الدوما عن رغبته أيضاً في خوض الانتخابات الرئاسية هذه، وهو المعروف بشخصيته الساخرة، كما أعلنت السيدة عيناء حمزتوفا الداغسانية نيتها خوض الانتخابات (ورفضت قانوناً)، كما أظهر الدكتور يفلينسكي رغبته بالترشيح عن حزب بابلاكا (التفاحة) المعارض، وغيرهم من الأسماء المعارضة أو الراغبة بالشهرة مثل كسينيا سابجال، ويبقى الشرط التعجيزي أمام المرشحين خاصة الصغار وغير المعروفين للعامة منهم هو جمع (30 ألف) توقيع خلال شهرين، شريطة أن لا يتجاوز عدد تواقيع المنطقة الواحدة (7.5 ألفاً)، ورفض لاسم المعارض الكسي نافلني لأسباب قضائية.
وأصبح المطلوب من الرئيس بوتين الفائز بكل الأحوال، وهو ما يظهره إعلام بلاده الفضائي بقوة (I (و(RTR (و(24 (و(روسيا اليوم) بالعربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية، هو استبدال اسم ديمتري رئيس الوزراء بشخصية أقوى من وسط حزبه الحاكم يتناسب وطموحات الشارع الروسي في الإصلاح، ومحاربة الفساد، وبالتحول اقتصادياً إلى اللامركزية، والاهتمام اكثر ميدانياً بهموم الطبقتين الفقيرة والمتوسطة الواسعة، والحد من تغول طبقة الأوليغارج.
وحديث إعلامي عن احتمال تعيين أندريه كانداراشوف صاحب فيلم القرم/الكريم (طريق إلى الوطن) سكرتيراً صحفياً لبوتين.
وعربياً نتطلع لفترة بوتين الرئاسية الرابعة بعد النجاحات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي تحققت على يد روسيا وسط العرب في الملف السوري الشائك، وفي ملف السعودية وعموم منطقة الخليج، والليبي واليمني، والدعوة للحوار أيضاً نسبة وتناسباً الاهتمام بالوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية وقدسها الشريف، وحل الدولتين، ولجم مسألة انتشار المستوطنات غير الشرعية، ولمعالجة حق العودة والتعويض.
ونستغرب ذات الوقت عدم استخدام روسيا حتى الساعة لحق النقض (الفيتو) وبالتعاون مع الصين وباقي دول مجلس الأمن بوجه القرار الأميركي الجائر، والمساند لإسرائيل في قضية القدس وعموم فلسطين العربية بكامل بعدها الإسلامي والمسيحي رغم موقف روسيا الواضح باعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. ونتساءل هل للوجود اليهودي الروسي والسوفييتي كذلك في إسرائيل، وهو المتصاعد من حيث العدد المليوني تأثيراً مباشراً على منع روسيا من تحريك حق (الفيتو) بوجه التمرد الأميركي – الإسرائيلي المشترك والمنفرد بشأن القدس الشريف خارج مجلس الأمن والأمم المتحدة؟
وهل العلاقات الاقتصادية ومنها العسكرية الروسية الإسرائيلية وبالعكس تشكل سبباً آخر مهماً خاصة إذا ما عرفنا بوجود حوالي (700( شركة إسرائيلية في موسكو؟ وهل للحضور السياسي اليهودي في الكرملين سبباً ثالثاً؟
يقول المعارض السياسي والإعلامي الروسي مكسيم شيفجينكو بأن يهود روسيا والاتحاد السوفييتي السابق هاجروا إلى (إسرائيل) لممارسة الفاشية والعنصرية والإرهاب بوجه الفلسطينيين أحفاد صلاح الدين، وبأن القدس مركز العالم، فهل يمكن أن نتوقع من الرئيس بوتين بعد المباركة لسيادته مبكراً بالفوز المتوقع أن يعمل على دعوة المهاجرين اليهود الروس إلى ديارهم في جمهورية بارابيدجان اليهودية وإلى إقليم القرم/الكريم داخل روسيا، الذي تتزامن مناسبة ضمه مع يوم الاقتراع الرئاسي في رسالة واضحة لأوكرانيا ولحليفتها أميركا بأن القرم/الكريم أصبح روسياً بكل تأكيد.
وفي مثل هكذا دعوة كما أعتقد تشجيع لليهود السوفييت بالعودة إلى ديارهم أيضاً ويعتبر جزءاً من حل مشكلة المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية على أرض فلسطين وباقي أراضي العرب المحتلة، وإسناداً حقيقياً لدعوة
مماثلة سابقة في التاريخ المعاصر عام 1950 للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين بنفس الاتجاه من شأنها إنقاذهم أيضاً من التوراة المزورة.