مات أبي وماتت معه ضحكته وانطوت داخل خزانة الملابس عباءته وغابت عن البيت العامر قصيدته... من يجرع معنا بعد اليوم مرارة قهوته! من يملأ البيت بعد الآن برائحته! من يجلس على أريكته ! من يرفع من فوق المنضدة جريدته...!!!
أن تفقد أباك مَعناه انكسر ظهرك
أن تفقد أباك معناه أن تقف في مهب الريح وحدك
أن تفقد أباك معناه أن تُجهّز للمعركة تُرسك!
أن تُمطر عليك السماء دون مظلة
أن تغفو في سريرك ليلاً دون غطاء
أن تقف مواجهاً العالم وحيداً
استأذن الموت أبي ولم يأخذه غدراً.. لم يدفع بالباب ويسرقه..! استأذنه هو وغافلنا نحن...!
لم ينكر أبي الحياة يوماً ولم يترفع عنها...! لم يعلّمنا أن نتخلى عن معاركنا، بل كان محباً شغوفاً كريماً متواضعاً... لكنه استحق الراحة بعد عناء...!!
كل شيء في الدنيا تعب، إلا الموت فهو نهاية كل تعب...
مات أبي وترك لنا أسماءنا فقط لنتشبث بها
مات أبي وأورثنا بعده الحزن والضياع والحسرة
مات أبي وغاب السند..!!
ربما تستمر الحياة في غمرة الموت..
ربما تستتر الحقيقة في غمرة الكذب !
ربما يستبيح النور طريقه في غمرة الظلام،
لكنه الحزن لا يتوقف في حضرة الموت !
والموت سيد النهايات... إكليل الختام.. تذكره السفر نحو المطلق...
الموت لا يحتمل حضور المرايا، لأنه يأبى الانعكاس على زجاج أنفسنا فيصبح مرئياً
الموت لا يحتمل حضور الأجساد السقيمة ، لأنه كمال النهايات ونهاية الكمال البشري...
بعد رحيلك يا أبي أدركتُ أن هناك بكاء دون دموع.. وصراخ يمزق الروح دون ضجيج
وآهة غضة تنمو بصمت داخل النفس كلما جاء ذكرك...!!
بعد اليوم لن أرى ملامح وجهك عن قرب... لن أتأمله !
لن أقرأ ما تخفيه عينيك ما بين السطور!
لن يحتويني صدرك ولن أختبئ في حضنك عن العالم...
بعد اليوم سنفقدك وتفقدنا للأبد..
مرة يوم موتك ومرة يوم موتنا...
مات أبي... وانكسر ظهري ...
مات أبي ... ورٌب موتٍ كالحياة.. وكم حياة أشبه بالموت !
وإيماني يقول لي أنك حي...
لأنك كنت رمزا للحب وعنواناً له...
والحب في الحياة أقوى من الموت..