عمليه غصن الزيتون ومستقبل الوضع السوري
اللواء المتقاعد مروان العمد
23-01-2018 11:36 AM
منذ يومين انطلقت العملية العسكرية التي أطلقت عليها تركيا اسم عمليه غصن الزيتون والتي تشارك فيها القوات التركية بشكل مباشر مع وحدات سورية مسلحة من التي يطلق عليها اسم الجيش الحر. والهدف من هذه العملية هو السيطرة على مدينه عفرين ومن بعدها مدينه منبج للقضاء على نفوذ قوات سورية الديمقراطية والتي يغلب عليها العنصر الكردي والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والمتهمة بعلاقتها مع حزب العمال الكردستاني المصنف تركياً انه منظمه ارهابيه تسعى لزعزعة الامن في تركيا .
وقد كانت بداية العملية قصف جوي ومدفعي تركي عنيف على مواقع جيش سورية الديمقراطية في بلده عفرين تبعه تقدم بري لتنظيمات الجيش الحر المدعوم من تركيا صوب هذه المدينة وبنفس الوقت بدأت تحركات مشابهه باتجاه بلده منبج وكل ذلك وسط تضارب بالمواقف الرسمية من القوى المتدخلة في الشأن السوري والتي لا بد حتى يتبين لنا حقيقه مواقفها ان نعود الى بضعه أشهر سابقه .
بداية لابد من الإشارة لما اتفقت عليه الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا على اعتبار محافظه أدلب المنطقة الرابعة لخفض التوتر ووقف الاشتباكات ما بين قوات المعارضة والنظام فيها وذلك في شهر أيار عام ٢٠١٧ . وعلى اثر ذلك قامت قوات تركيه بحشد قواتها قرب الحدود السورية وكُلفت بإقامة نقاط مراقبه داخل محافظه أدلب وكُلفت بالعمل على القضاء على قوات هيئه تحرير الشام / النصرة سابقاً باعتبارها تنظيماً ارهابياً وخاصه بعد الضربات التي وجهت لتنظيم داعش ، الا أن تركيا بدلاً عن ذلك تحالفت مع معظم أعضاء هيئه تحرير الشام للاستفادة منها في حربها على الأكراد التي كانت تعد لها .
كما كان قد تم اتفاق في قمة سوتشي الثلاثية ( روسيا وإيران وتركيا ) وذلك في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام ٢٠١٧ على عقد مؤتمر جنيف في نسخته الثامنة بتاريخ الثامن والعشرين من نفس الشهر وتم الاتفاق وبتنسيق مع المبعوث الاممي دي مستورا ان تكون نقطتي البحث في هذا المؤتمر هما موضوعا الانتخابات والدستور على ان يترك بحث الوضع النهائي للأزمة الى اجتماع يعقد في مدينه سوتشي الروسية . وكان ذلك يتطلب ان تعقد الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية اجتماعا لها في مدينه الرياض لتشكيل وفد الهيئة لحضور مؤتمر جنيف. وقد شعرت تيارات كثيره في المعارضة السورية السياسية والعسكرية ان الهدف من هذا الاجتماع هو تشكيل وفد يوافق على مطالب الدول الثلاث والتي تبناها دي مستورا وخاصه لمشاركه منصتي القاهرة وموسكو في هذا الاجتماع. ولهذا فقد استقال من عضويه الهيئة عدد كبير من أعضائها وعلى رأسهم رئيسها رياض حجاب رئيس الوزراء السوري المنشق والذي كان يصر على رحيل الأسد كشرط مسبق قبل الدخول في مباحثات الوضع النهائي. كما أصدرت العديد من تنظيمات المعارضة المسلحة في سورية رفضها لما يجري في هذا الاجتماع وقراراته. هذا وقد تم في هذا الاجتماع انتخاب الدكتور الاختصاصي في الامراض الداخلية والقلب والمعارض السوري نصر الحريري رئيساً للهيئة ورئيساً لوفدها لمؤتمر جنيف المكون من اثنان وثلاثون عضوا ربعهم من منصتي القاهرة وموسكو. وكان متوقعاً ان تكون قرارات الاجتماع تتوافق مع رغبات الدول الثلاث والمبعوث للدولي من اقتصار البحث في جنيف على موضوعي الانتخابات والدستور. ولكن وبطريقه مفاجئة وغير مفهومه فقد ورد في البيان الختامي للاجتماع نصاً يتضمن بضرورة مغادره بشار الأسد موقعه مع بداية المرحلة الانتقالية. مما أدى الى رفض نظام الأسد الدخول في مفاوضات مباشره وجاده مع المعارضة قبل الغائها لهذا الشرط . وبالرغم من محاولات دي مستورا التوفيق بين الطرفين الا انه بصوره مفاجئة خاطب وفد المعارضة بأنه عليهم ان يقبلوا بما هو معروض عليهم لأنهم فقدوا كل الدعم الدولي لهم مما اثار غضبهم. ولكن وفي اليوم التالي قام بمفاجأة الجميع بقرار عكسي وقام بتحميل النظام السوري مسؤوليه فشل المفاوضات مما ادى الى فشل هذه الجولة من المؤتمر .
في الأيام التي عقبت انتهاء جولة جنيف الثامنة وقعت تطورات ملفتة للنظر على الساحة السورية كان أولها تكثيف هجوم القوات النظامية السورية لمواقع المعارضة في منطقتي الغوطة الشرقية والغربية وسط شبه صمت دولياً ذلك بالرغم من لجوء تنظيمات المعارضة الى شماعة استخدام قوات النظام للأسلحة الكيماوية ضد مواقعها. ثم أخذت القوات السورية باجتياح مناطق متعددة من محافظه أدلب حيث أخذت قرى المحافظة تتساقط الواحدة تلو الاخرى في يدها وسط اتهام بعض أطراف المعارضة السورية بقيام قوات هيئه تحرير الشام المتحالفة مع القوات التركية بتسليم هذه القرى لقوات النظام. وبالرغم من محاوله بعض تنظيمات المعارضة السورية وقف تقدم قوات النظام مستخدمه إمدادات عسكريه كانت قد حصلت عليها سابقا من تركيا الا ان قوات النظام استمرت في تقدمها الى ان سيطرت على مطار ابو الظهور العسكري والذي كان اول قاعده عسكريه رئيسيه تابعه للنظام تسقط بأيدي المعارضة كما كانت محافظه أدلب اول محافظه تقع بالكامل بأيدي المعارضة منذ عام ٢٠١٥ والتي أصبحت مكان تجمعهم الرئيسي الأخير. والملفت للنظر ان تقدم قوات النظام في محافظه أدلب جرى دون معارضه واضحة ومباشره من تركيا التي تتواجد لها قوات داخل المحافظة. كما ان الملفت للانتباه هو عدم اقتراب قوات النظام من أماكن توجد القوات التركية .
وقبل ايّام قليله أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن عزمها تشكيل قوه مسلحه مكونه من ثلاثين الف مسلح عمادهم الأساسي قوات سورية الديمقراطية العدو الرئيسي لتركيا وقامت القوات الأمريكية بالاحتفال بتخريج الدفعة الاولى من هذه القوات والبالغ عددهم خمسمائة شخص . وقد حددت المهمة الرئيسية لهذه القوة بالمحافظة على أمن الحدود الشمالية لسورية وان كان الهدف الرئيسي هو اقامه كيان كردي مسلح وقوي وموالي لها ليكون عوناً لها في المحافظة على تواجدها وحمايه مصالحها في سورية والتي أعلنت الإدارة الأمريكية انها لن تنسحب منها .
عندها أعلنت تركيا عن نيتها القضاء على النفوذ الكردي في مناطق شمال سورية ابتداء من منطقتي عفرين و منبج امتداداً في مرحله لاحقه الى الحدود العراقية للقضاء على تواجد قوات سورية الديمقراطية بشكل كامل واقامه منطقه عازله على طول حدودها بعمق ثلاثين كيلومتراً تنقل اليها ثلاثة ملايين ونصف المليون مهاجر سوري في أراضيها .كما أعلنت تركيا ان الدعم الاميركي لهذه القوات لن يحول دون تنفيذها لخططها تلك .
وقبل اعلان تركيا عن نيتها تنفيذ عمليه غصن الزيتون ضد قوات سورية الديمقراطية كانت سلطات النظام قد أعلنت انها تعتبر تواجد قوات سورية الديمقراطية في الرقة ومحافظه دير الزُّور وفي مختلف أماكن تواجدها في سورية قوات احتلال غير شرعيه مثلها مثل القوات الأمريكية المتواجدة في سورية . وعندما أعلنت تركيا عن عزمها القيام بهذه العملية أعلنت سلطات النظام ان القيام بهذه العملية هو اعتداء على سورية وأنها سوف تتصدى له وأنها أصبحت تملك سلاح جو قادراً على التصدي للطيران التركي وإسقاط طائراته. وكان يفهم من ذلك ان هذا الموقف سوف يتضمن دعم حليفي سورية كل من إيران وروسيا لها في هذه المواجهة. الا انه وعندما قامت الطائرات التركية بعمليات قصف في عفرين ومنبج وقامت مدفعيتها بقصفهما لم نجد أي تحرك لقوات النظام او أي رده فعل له سوى إنكار ما أعلنته تركيا من انها أبلغت النظام السوري والقوى الأخرى مثل ايران وروسيا والولايات المتحدة الأميركية خطياً عن عزمها القيام بهذه العملية .
كما انه وبعد بدء القوات التركية عملياتها لم نلاحظ اَي رد فعل واضح من قبل ايران اكثر حلفاء النظام السوري وأقربهم اليه ، مما اعطي انطباعاً ضمنياً بدعمها للعملية العسكرية التركية ضد أكراد سورية لتكون رساله مشتركه من قبلها وقبل تركيا الى أكراد العراق فيما لو استمروا بخططهم لأقامه دوله لهم في شمال العراق ورساله مشتركه من قبلهما للأكراد فيهما من أي محاوله للقيام بأعمال انفصاليه او حتى احتجاجيه فيهما وأشاره الى انزعاج القيادة الإيرانية من قيام النظام السوري بأسناد مهمة أعاده إعمار سورية الى روسيا بالرغم من المساعدات والتضحيات التي قدمتها ايران لدعم النظام السوري مما حدى ببعض اجهزه الاعلام الإيرانية الى مهاجمه بشار الأسد ووصفه بناكر الجميل ومطالبتها بحصول ايران على حصتها من الكعكة السورية ولو بالقوة .
وبالنسبة الى روسيا الحليف الثاني والقوي للنظام السوري والذي كان على علاقه جيده مع قوات سورية الديمقراطية أيضاً والتي كان لها مستشارين عسكريين في مناطق عفرين ومنبج ، فقد اكتفت بإدانة الولايات المتحدة الأميركية لمحاولتها استخدام الأكراد لتحقيق أهدافها في سورية ثم قامت بسحب مستشاريها من المنطقة وطلبت من القوات التركية تجنب استهداف المدنيين في عملياتها مما اعتبرته قوات سورية الديمقراطية خيانة لها ، واعتبرته تركيا تأييداً لها .
حتى الولايات المتحدة الأميركية فقد كان موقفها ضبابياً من العملية التركية وأعلنت انها تنسق مع الجانب التركي لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين وانها تستبعد حصول اشتباك بين قواتها والقوات التركية وتأكيدها عدم تواجد قوات لها في مناطق الاشتباكات بالرغم مما أعلن قبل قليل عن زياره مسؤولين امريكيين للرقة ولم يكشف عن غايات هذه الزيارة بعد .
وفي نفس الوقت وبالرغم من تصاعد الصراع على الارض فقد أعلنت روسيا ان سوتشي سوف تشهد انعقاد المؤتمر الموعود لبحث الازمه السورية بما فيها الوضع النهائي في أواخر الشهر الحالي بحضور جميع الأطراف بما فيها المعارضة . كما تزامن قيام تركيا بعملياتها العسكرية قيام وفد عالِ المستوى للمعارضة السورية بزياره الى العاصمة الروسية هي الاولى من نوعها ، وبرئاسة نصر الحريري ومشاركه العديدين من قيادات المعارضة وذلك لمناقشه ترتيبات اجتماعات سوتشي . وبالرغم من عدم الإعلان عن نتائج نهائية عما جرى في هذه المباحثات فقد أبقى نصر الحريري الباب مفتوحاً للمشاركة في اجتماع سوتشي بتصريحه اليوم انه سوف يتدارس ما تم بحثه في روسيا مع باقي زعماء المعارضة بعد ان تقدم روسيا ضمانات خطيه لها .
اذاً ما الذي جري ويجري في سورية ؟ أهي أموراً كان معداً لها مسبقاً لتنتهي الأمور الى طاوله المفاوضات في سوتشي بعد ان تكون كل من تركيا وايران قد تلقيا جائزتهما بالقضاء على الخطر الكردي مقابل ان تُمارس ايران نفوذها على النظام ، وتركيا نفوذها على المعارضة لإنجاح اجتماع سوتشي ؟ وبعد ان يكون قد تم إعطاء النظام جائزته من خلال تمكينه من فرض سيطرته على مناطق الغوطة ومحافظه أدلب مقابل تقديم تنازلات حول مستقبل الأسد على المستوى الطويل ؟ وهل حظيت هذه الخطة على موافقه الولايات المتحدة الأمريكية وعلى ان تقدم حلفائها اكراد سورية ضحية مقابل مكاسب لها في موضوع القدس ومصير القضية الفلسطينية؟ أم انها سوف تعود وتقلب الطاولة على الساحة السورية ؟
الأيام القادمة قد تحمل الجواب .