عن سرقة البنك وما هو أبعد منها
د. زيد نوايسة
23-01-2018 10:13 AM
أن يتعرض بنك أو مؤسسة مالية أو شركة لسرقة ليس أمر مفاجئاً ويجب ان لا يكون مستغرباً؛ الأمر يحدث في كل الدول المتقدمة والتي تحقق أعلى معدلات من الرفاهية ومستويات الدخل المرتفع وتلك التي يعاني مواطنيها من الفقر والبطالة والعوز؛ وهناك مافيات عابرة للقارات للسرقة ولعل ما جرى مثلاً في دبي قبل سنوات عندما أقتحم مجموعه من اللصوص وفي وضح النهار أكبر محل لبيع المجوهرات ورحلوا المحل كاملا معهم وما زال سرهم معهم حتى هذا التاريخ بالرغم من أن دبي ودولة الامارات مشهود لها بدقة وحرفية الاجهزة الشرطية والرقابة المتلفزة؛ ولعل الحادثة الأكثر غرابة والمجهولة للآن عملية السرقة التي تبخرت فيها ثلاثمائة مليون دولار أمريكي من بنك دار السلام بالعراق، حيث عاد العاملون بالبنك صباحًا ليجدوا الأبواب الأمامية مفتوحةً على مصراعيها والمال قد اختفى، وبحسب الإحصائيات فالمبلغ المفقود كان يقارب الثلاثمائة دولار أمريكي وكان الحراس الثلاثة الملزمين بحراسة البنك ليلًا قد اختفوا، وهو ما جعلهم على رأس قائمة الشبهات، إلا أن اختلاف النهاية هنا يرجع لأن المجرمين لم يتم العثور عليهم حتى الآن لا هم ولا المال الذي قاموا بسرقته، فكأنهم تبخروا مع المال في الهواء ولم يتبقَ لهم أثر، وهناك العديد من عمليات السرقة الضخمة ما زالت مجهولة...
الأخطر من عملية السرقة التي تعرض لها فرع بنك في غرب العاصمة وفي وأحد من الحياء التي توصف بأحياء الطبقة الباذخة من رجال أعمال وسياسيين وهو حي عبدون هو في تقديري رد الفعل الجماهيري الذي عبرت عنه الأغلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بطبيعة ساخرة لكنها في الأغلب أمتنعت عن إدانة فكرة السرقة كسلوك مدان دينياً وقانونياً وأخلاقياً واجتماعيا؛ بل ان البعض لم يتوانى عن إبداء التعاطف مع السارق باعتباره ضحية للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس وهي من دفعه بحثاً عن الأساليب غير القانونية والاخلاقية !!
الامتناع عن الإدانة والبحث عن مبررات هو سلوك مرعب بدأ يتشكل في مجتمعنا وهو أكثر خطورة من السرقة بحد ذاتها كجريمة مدانة بكل المقاييس، ولعل ناقوس الخطر هنا واضح بأن المزاج العام صار ينحو لتبرير اي عمل تحت يافطة الظروف الاقتصادية الصعبة التي لا نستطيع انكارها مطلقاً؛ وأن عملية العثور على السارق بسرعه تتطلب متابعة المتهمين بقضايا فساد وبمبالغ كبيرة.
من السهولة الرد على هذا المنطق؛ فعندما يكون الشاب الذي ظهرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو عشريني على ما يبدو وفي عمر يمكنه من العمل الحر دون أن ينتظر الوظيفة الحكومية؛ كيف لنا ان نفهم ان العامل الوافد الذي يعمل في البناء او حراسة العمارات أو في المطاعم والفنادق يتجاوز دخله ستمائة دينار على الأقل وهذا الأمر ينسحب على ما يقارب المليون عامل تقريباً، وهنا أنا لا ابرر فكرة الذهاب لأي عمل ربما لا ينسجم أجتماعيا مع هذا الشخص أو غيره رغم تحفظي على الفكرة البائسة "ثقافة العيب" ولكن عندما يكون الأنسان بين خيارين أحدهما السرقة والاختلاس فالعمل مهما كان يعتبر شرف وكرامة أمام فعل فاحش كالسرقة والفساد.
هناك أزمة اقتصادية صحيح وهناك تآكل لدخول الناس صحيح أيضاً وهناك قضايا فساد أو شبهات فساد ما زالت موضوع سؤال وتساؤل في المجتمع، ولكن مجتمعنا لم يعهد عنه تبرير أي خروج عن المنظومة الدينية والأخلاقية والقانونية وهي العنوان والمدخل لكل مجتمع يريد أن يسير نحو التقدم وربط التردد في التعامل مع الاتهامات بالفساد
التعامل الأمني السريع والفعال وإلقاء القبض على السارق هو مؤشر مهم أن هناك من هو قادر على الحفاظ على الأمن وملاحقة كل الخارجين عليه وبالتالي يستحق القائمون على هذا الإنجاز الشكر والتقدير.