دخل الجيش التركي الى شمال سوريا، تحت عنوان تطهير هذه المناطق، من القوات الكردية التي تعتبرها انقرة، قوات ارهابية، وهذا الدخول البري يستهدف اقامة منطقة عازلة.
الدور التركي في الملف السوري، ليس سرا، اذ ان انقرة لعبت دورا معروفا في دعم ما يجري في سوريا، سواء على صعيد التنظيمات التي حاربت النظام، او توفير دعم لوجستي وفني ومالي، لهذه التنظيمات، اضافة الى نزوح مئات السوريين الى تركيا، خلال هذه الازمة.
في الدور التركي في الملف السوري، حدثت تغيرات هائلة، اذ ان ذات تركيا التي دعمت تنظيمات من اتجاهات معينة، اضطرت لاحقا، الى التخلي عن هذا الدعم امام مخاطر ورقة الاكراد، وبلاشك ان دمشق الرسمية وايران، لعبتا جيدا بهذه الورقة لتشكيل خطر على تركيا، خصوصا، مع وجود رغبة كبيرة لدى اكراد تركيا بالتحرر من سيطرة انقرة، ومايشكله احتمال نشوء كيان كردي صغير شمال سوريا، من مخاطر على الامن التركي، واحتمال نشوء رابط بين اكراد جنوب تركيا، وشمال سوريا.
العملية التي بدأتها انقرة، لها جدول زمني، وسقف محدد، لكن هل ستتمكن حقا تركيا، من تنفيذ العملية والخروج ضمن خطة محددة، ام انها ستتورط بريا لفترة طويلة، في شمال سوريا، خصوصا، مع المعلومات التي تؤكد ان هناك اطرافا عديدة تريد لتركيا الانزلاق في هذه المساحة، وهذا يعني ان اكراد سوريا، قد يجدون دعما من هذه الجهات، لاستنزاف تركيا وجرها الى هذه المعركة.
الاتراك بطبيعة الحال، لديهم معلومات ميدانية، وامنية، تجعلهم في وارد تقدير قدرات الاكراد الفعلية، لكن هذا ليس كل شيء، اذ ان اطلاق صاروخ البارحة من شمال سوريا، على تركيا، امر يؤشر على احتمال توسع رقعة المعارك، او حدوث مفاجآت؛ لان الاكراد ايضا، استعدوا لهذه المعركة، ويجدون دعما من عدة اطراف، لمواجهة تركيا، في هذه المعركة.
انقرة اعلنت انها ابلغت الروس والايرانيين، والنظام السوري، بهذه المعركة، والنظام السوري نفى ابلاغه، وفي الوقت ذاته فأن واشنطن لم تعترض فعليا على العملية، وعلينا ان نضع احتمالا هنا، ان كل هذه الاطراف تعامت عن المعركة، لغاية نهائية هي اضعاف تركيا، وجرها الى حرب برية، لاعتبارات تسوية الحسابات السابقة، ومن اجل اضعاف دور انقرة الاقليمي.
اللافت للانتباه هنا، ان واشنطن ذاتها استعملت الاكراد في المعركة ضد التنظيمات المتشددة، وتحديدا داعش، مثلما ان التحالف الوظيفي بين القوات الكردية، والنظام السوري، ضد داعش، كان واضحا، لكن عقدة داعش تم فكها، ليبدو السؤال منطقيا، اذا ماكان نظام دمشق يلتقي مع الاتراك، من حيث لايحتسبان، في الرغبة بالتخلص من خطر الاكراد، بعد انتهاء دورهم الوظيفي، ازاء ملف داعش.
هذا امر وارد، وبهذا المعنى تكون دمشق الرسمية، التي نفت معرفتها بمعركة عفرين، او غيرها، قد وكلت الاتراك بمهمة تصفيةالاكراد، وبحيث نكون امام فصل حاسم في النزاع السوري، تحت مسمى آخر التحولات، من ثورة سورية، الى فوضى، الى مواجهة التطرف، وصولا الى انهاء المشروع الكردي.
غير ان الامور لن تجري بهذه البساطة، وعلينا ان نتذكر ان خصوم انقرة السريين، يجدون في دخول تركيا برا الى شمال سوريا، فرصة لاتتكرر، لايذاء تركيا، والتسبب لها بخسائر فادحة، وعلينا ان نضع السؤال في سياق محدد، حول ما اذا كانت الغلبة للاطراف التي تريد تسوية ملف الاكراد فعليا، ام للاطراف التي تريد توريط تركيا في مستنقع الشمال السوري، واذا ماوصلنا الى اجابة، سنعرف لحظتها، مالذي سيجري خلال الايام القليلة المقبلة.
الدستور