-1-
بلغة السياسة والمصلحة وتحسين «فرصة التفاوض» يتعين عليك أن «تلعب» بالأوراق التي بين يديك، كي تحصل أفضل ما يمكن من شروط، لاعب الورق لا يمكن أن يحرق ورقه القوي، وإلا يكون متواطئا مع منافسه، ولا نقول عدوه!
كل العالم على الأغلب مْدَنْدِلْ أذنيْه ! لإسرائيل، ويرجو رضاها، ويتجنب غضبها، وهي دولة مارقة، وعنصرية، ودولة قتلة بمعنى الكلمة، ومتمردة على القانون الدولي، وأسوأ مليون مرة من دولة الفصل العنصري المقبورة (جنوب أفريقيا أيام الأربارتهايد) وقد اعتادت أن تضع قرارات الشرعية الدولية في سلة المهملات، وحتى الدول التي تحسن إليها وتساعدها لا تجد غضاضة في التجسس عليها، وإيذائها إن استطاعت، ومصلحتها فوق كل المصالح، وسجل جرائمها بحق الإنسانية والفلسطينيين والعرب تحديدا أكثر وأعظم من أن تحصى، ومع ذلك تستمر في عربدتها وإيذائها لشعوب العالم، ولا تجد من يرفع في وجهها إصبعا، أو يهددها، أو يقول لها قفي عند حدك، باستثناء حركة مستضعفين، يصدق فيها قول الله عز وجل:( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). فلم يكد يدخر أحد عربا أو عجما جهدا بملاحقتها ومطاردتها، وإخراجها من الشرعية الدولية ووصمها بما يسمى الإرهاب، وثمة من يتفلت لمهاجمتها واستئصالها، والقضاء عليها(!) بمزاعم شتى، لها أول وليس لها آخر، بل قال لي ذات يوم مسؤول عربي رفيع المستوى جدا، إن مهمته في الحياة هي كسر قدم حماس حيث تضعها، فكسره الله وأنهى حياته المهنية بفضيحة مجلجلة بعد أن أدين بالسرقة والحرمنة!
-2-
ثمة مليون سبب لتختلف «فكريا» مع هذا الفصيل أو ذاك، من الفصائل الفلسطينية، ولكن هذا الاختلاف لا يبيح لك إفناءه وتغييبه، فقط لمجرد أنه يمتلك بعض الكرامة والكبرياء لمناجزة عدوك، وتذكيرك بضعفك أو تآمرك، ولا نقول «خيانتك» لنفسك قبل أمتك!
ما زلت أذكر قولا لافتا للكاتب المعروف فهمي هويدي حين قال يوما ما ليس ببعيد: «في بلاد العرب، ثمة مواجهات إما باردة، او ساخنة ودموية، كل تلك المواجهات، على نحو أو آخر، هي حروب أهلية، بينية، إما عرقية أو مذهبية، أو بمثابة صراع على السلطة، أو صراع بين اتجاهات مختلفة أيديولوجيًا، أو صراع بين شعب مظلوم ونظامه القمعي، وحدها غزة الاستثناء، حيث تخوض حربا مع عدو حقيقي، هو عدو الأمة، بلا لبس أو تأويل، وتلك فضيلة وميزة لغزة هاشم، التي تخوض صراعنا التاريخي، بعيدا عن حروبنا العبثية!» ولهذا كما يبدو لا بد من «تكسير» رأسها، ومحوها عن الوجود كحركة مقاومة!
الأمم الحية التي تريد أن تعيش بكرامة، تبحث عمن يعضدها ويقويها ولو من باب المصلحة البحتة، ولا تسعى لتكسير قدميها وشل يديها، وحماس وبقية من يقف معها في غزة من فصائل وشعب مقهور محاصر، لا تستحق هذا النكران والخذلان، في وقت واحد يلتقي على غزة الحبيب والعدو والبعيد والقريب، يريدون رأس المقاومة، في أخطر وأقسى وأشرس هجمة تشهدها منذ تجرأت على الوقوف في وجه عدوها وعدو الأمة والإنسانية جمعاء، ويبدو أن هذا هو ذنبها الأكبر!
وجود هذه الحركة المستضعفة في الأرض، المحشورة في 362 كيلومتراً مربعاً، والتي لم تزل لديها القوة لتهدد إسرائيل، وإقلاق راحتها، وتتكلم معها بلغة غير ما ألفت من غيرها، هو وجود ضروري، لهذه الأمة من باب المصلحة البحتة، كي لا تعربد إسرائيل أكثر فأكثر في بلاد العرب، وكي تبقى حماس ولو «ورقة» لتحسين شروط «الاستسلام» الكامل للعدو!.
الدستور