أحد المآخذ على الحكومة ضعف الجانب السياسي, وجدت في حديث الملك امس قوة دفع كبيرة عندما أكد بوضوح ضرورة وجود برنامج إصلاح سياسي واضح لمعالم لدى الحكومة.
هذا يجعل امام الحكومة برنامجا واضحا تختبر فيه قدراتها في التفكير والتخطيط والتنفيذ، وهذا البرنامج الذي اصبح واجب الحكومة أهم بنوده مشروع "اللامركزية التنموية" او ما عرف باسم مشروع الأقاليم، لكن مصطلح اللامركزية يخفف الأبعاد السياسية والمخاوف التي يراها البعض في مشروع الأقاليم وتوصيات اللجنة.
اللافت تأكيد الملك أن هذا البرنامج الاصلاحي السياسي جزء من برنامج دعا له الملك منذ سنوات، وهذا التوضيح الملكي ضرورة لأن بعض الأوساط الحكومية الرفيعة تحدثت عن أن الذهاب نحو تنشيط أفكار الإصلاح السياسي خطوة استباقية لمنع اي مطالبات أو ضغوط تأتي من الإدارة الأميركية الديمقراطية، اي أن أي تحرك نحو تنشيط الإصلاح هو استجابة لمطالب خارجية.
تلك التصريحات الحكومية لم تكن موفقة وأظهرت الحكومة غير جادة وأظهرت الأمر وكأنه "مداراة" للأميركيين، ولهذا جاء حديث الملك واضحا بأن الطرح الأردني موجود منذ سنوات وليس خطوة استباقية لمواجهة ظغوط خارجية.
والخطأ الحكومي في التصريحات كان مثيله خطيئة وطنية مارسها احد قادة حزب الجبهة الذي قابل مسؤولين اميركيين ليبحث معهم الإصلاح السياسي الأردني وأفكارا هي في جوهرها تغيير للدستور وشكل النظام السياسي، ونسي صاحبنا أن اميركا ليست معنية بأي ديمقراطية وأنّ التجربة العراقية المريرة كان عنوانها الديمقراطية لكنها كانت تحقيقا لحلم صهيوني في تدمير دولة عربية. فأميركا لا ضير عندها في استعمال اي طرف حتى ممن لا يمانعون في الاستقواء سياسيا وإعلاميا بالمستعمر في تغيير شؤون داخلية في بلادهم.
ومادام الملك قد أطلق مرة اخرى الحديث حول الإصلاح فإن من الواجب على الحكومة أن تحدد تعريفاً للإصلاح والمجالات التي يجب العمل فيها وما هو ممكن او غير ممكن في ملفات الاصلاح، وأن تقدم رؤيتها لفكرة اللامركزية، ونتحدث عن الرؤية التفصيلية ليكون تطبيق المشروع قريبا وليس لإدخاله في مسارات التخزين او الإبطاء.
وفي حديث الملك أمس تأكيد، كذلك، على مسألة مهمة يطالب بها الحكومات المتعاقبة وهي ذهاب الوزراء الى الناس والاستماع إليهم وشرح ما ستفعل الحكومة لعم، وهذا ليس برنامج جولات شكلية ولقاءات في مبنى المحافظة، بل جزء من فلسفة حكم تقوم على التواصل مع الأردنيين والاقتراب منهم، وهو ما لا يخدم التواصل الخدماتي فقط على أهميته، بل يحقق التواصل السياسي لأن الوزير -نظريا- شخص سياسي يمكن ان يتحدث في الشأن العام والقضايا الوطنية وأن يقدم موقف الدولة ويقنع الناس بمسار الحكومة، رغم ان مسارات متتابعة خفضت المواصفة السياسية في اشخاص الوزراء بحجة البحث عن التكنوقراط اي الفنيين، لكننا احيانا لم نحصل على بلح اليمن ولا عنب الشام.
وإذا تبنت الحكومة برنامجا للإصلاح السياسي، ولنقل مثلا اللامركزية، فإنها مطالبة بالتواصل مع الناس لتشرح لهم الفكرة وايجابياتها وما يمكن أن تحدثه من آثار تنموية وخدماتية وإدارية افضل على حياة الاردنيين، لكن الحكومة مطالبة ايضا بتجديد فكرة الجولات الميدانية والوصول إلى كل التجمعات، فهذا دور سياسي ووطني لا يقل عن حضور الندوات والاجتماعات في عمان.
sameeh.almaitah@alghad.jo