الكتاب العرب .. وازدواجية المعايير
مالك نصراوين
09-03-2009 03:14 AM
بعد اصدار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ، مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير ، تنطح العديد من الكتاب العرب الى التعليق على ذلك ، مستنكرين هذا الاجراء ومنددين به ، باعتباره انحيازا دوليا سافرا ضد العرب ، في الوقت الذي يتغاضى فيه المجتمع الدولي ، عن حالات مماثلة في مناطق اخرى من العالم ، نتيجة ازدواجية المعايير المتبعة من قبل الدول الكبرى ، المهيمنة على هذه المؤسسات الدولية .
الحديث عن هذه الازدواجية صحيح نسبيا ، وهذه الازدواجية الظاهرة ، هي الشائبة الوحيدة ، التي تشكك في اسس العدالة التي يتبعها المجتمع الدولي ، وكلنا يرى بام عينيه الجرائم البشعة ، التي ترتكب ضد المدنيين في اكثر من مكان في هذا العالم ، فجميعنا لم ينسى مشاهد المجازر المروعة ، التي ارتكبتها اسرائيل في غزة قبل شهرين ، وما حصدته الة الحرب الامريكية في العراق وافغانستان ، لكن الامانة تقتضي التطرق لكل الجرائم وفي كل مكان في العالم ، وعدم التركيز على حالات معينة دون سواها ، وبدل رفض قرار المحكمة الدولية ، علينا توسعة مجال عملها ، وبذل كل الجهود الممكنة كي ينال كل المسؤولين عن جرائم الحرب والابادة قصاصهم الرادع ، وان لا نتجاهل او نشوه صفحات من العدالة الدولية ، كانت تقف فيها الى جانبنا .
قبل عدة سنوات ، جلب الرئيس الصربي السابق ، سلوبودان ميلوسوفيتش ، الى المحكمة الجنائية الدولية ، لمحاكمته عن جرائم الابادة ضد مسلمي البوسنة ، وعقدت عدة جلسات لمحاكمته قبل ان يعلن عن وفاته في السجن ، ثم اقتيد الرئيس الصربي التالي ، الذي كان فارا من وجه العدالة ، ميلان ميلوتينوفيتش ، الذي برأته المحكمة من تهم الابادة ، وهذا يدل ان المحكمة يمكن ان تدين او تبريء ، وفي حالة الادانة ، لن يكون هناك اعدام ، كما لن يكون هناك تعذيب لانتزاع الاعترافات ، وهناك شعوب حية ، وانصار لحقوق الانسان في الغرب ، تراقب مثل هذه السلوكيات ، وتنتصر للابرياء ، ولا تسمح ديمقراطيتها بالانحياز مع الظالم ضد المظلوم .
كان يفترض في كتابنا ، ان يطالبوا بتوسعة مجال العدالة الدولية ، كي تشمل جميع الانتهاكات ضد المدنيين ، وليس فقط رفض مذكرة التوقيف ضد البشير ، علما ان المحكمة الدولية لم تدنه بعد ، بل وجهت اليه الاتهام ، وقد يدان او يتم تبرئته ، كما في الحالة اليوغسلافية ، وكما حدث ايضا في رواندا وكمبوديا وليبيريا ، والوطن العربي يفيض بالمحامين ورجال القانون الدولي ، الذين يستطيعون التطوع للدفاع عن الرئيس البشير ، ومجال الحرية رحب وواسع في هذا المجال ، بدلا من ادانة المحكمة الدولية واتهامها بالانحياز ضد العرب ، اضافة الى ان الفرصة امامهم كبيرة لاقامة دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب الاسرائيليين ، لكنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب في هذا المجال ، وبامكانهم احراج هذه الهيئات الدولية ، ان لمسوا أي تجاهل لدعاويهم .
لعل من الملفت للنظر ، ان الكثير من الكتاب والمعلقين العرب ، يمارسون الازدواجية في مواقفهم ، فكثير منهم يوجه النقد اللاذع للحكام العرب ، ومنهم الرئيس البشير نفسه ، لغياب غطاء الشرعية عنهم ، فقد قفزوا الى كرسي الحكم من ظهر الدبابة ، واعدموا الديمقراطية ، او مارسوا ديمقراطية مزيفة ، ولا زالوا يتشبثون بالحكم ، منذ عشرات السنين ، وكأن نساء بلدانهم عجزن عن ولادة قادة جدد ، ومع ذلك ندافع عنهم عندما تدينهم جهة قضائية دولية ، ونربط ذلك بالتاريخ الغربي الاستعماري ، متجاهلين مفاهيم انسانية معاصرة يرعاها الغرب ، تتعلق بحقوق الانسان ، وان هذا الغرب يأوي العديد العديد من اللاجئين السياسيين العرب ، خوفا من تعرضهم للبطش في بلدانهم ، لا بل انه يأوي متهمين بالارهاب ، وتخاض من اجلهم معارك قانونية ، من اجل ابقائهم هناك وعدم تسليمهم ، خوفا عليهم من التعرض للتعذيب .
يقتضي الانصاف ، ان نشير الى الخطأ والصواب ، وان لا نمارس الانتقائية في طرح الامثلة ، فكما ان هناك حالات تصدت لها العدالة الدولية ، في الوطن العربي والعالم ، فهناك حالات اخرى ، لم تتطرق لها في دول اخرى من العالم ، وفي الوطن العربي ايضا .
m_nasrawin@yahoo.com