تحليل مضمون الاعلام، والمدرسة التي كرسها على مدى عقود، يكشف ان البنية باتت بحاجة الى اعادة مراجعة،على مستويات كثيرة.
هذا الاعلام تاريخيا، كان يصنع ازمات، من لا.. ازمات، وعلى سبيل المثال، فأن التعامل مع المنخفضات الجوية اخباريا، او حالة الطقس، او شهر رمضان، او الاعياد، او نتائج الثانوية العامة، وغير ذلك من تواقيت، تعامل يحول ظروفا عادية الى ظروف غير عادية، وبطريقة توتر المجتمع، وتصنع ازمات وتشد العصب العام، وكأننا نختلف عن بقية شعوب العالم.
تاريخيا، ومازالت هذه الطريقة حتى اليوم، اذ عند الحديث عن طقس صعب، يتم توتير العصب العام، وتحويل الحديث عن منخفض له اثاره من برودة، وربما عواصف او اغلاقات مطارات او شوارع، مثل كل الدنيا، الى ازمة توتير للعصب العام، ولانرى الا تقارير مصاغة بصيغة تحذيرات وتقارير اخرى، تخبرك عن عدد ارغفة الخبز التي اشتراها الاردنيون قبل وصول المنخفض بيوم واحد فقط، وآخرها كان الحديث عن ستة عشر مليون رغيف اشتراها الاردنيون، ثم ربع مليون اسطوانة غاز متوفرة للاردنيين، لمحاربة البرد، والوقوف في وجهه.
كل دول الدنيا، تتحدث عن تفاصيل كثيرة، في حالات الطقس الصعب، لكن لدينا مبالغة، وكأننا مجتمعات تفاجئ بالثلج لاول مرة، ولاتعرف البرودة اساسا، ومجرد الحديث عن الارقام بهذه الطريقة، حديث يوتر العصب العام، ويعطيك صورة مضللة عن شعب يتأبط الارغفة واسطوانات الغاز فقط، وكأنه يعبر ازمة جوية لاول مرة في حياته.
الامر ذاته ينبطق على شهر رمضان، اذ يتحول الشهر الكريم الى ازمة اعلامية، وكل التقارير تتحدث عن ملايين الطيور التي ذبحها الاردنيون، وملايين الكيلوغرامات التي استهلكها الناس من الحلويات، وغير ذلك من قصص تتسبب بصورة سلبية عن المجتمع، وتبث في عصبه سرعات زائدة لدخول سباق التزود بالاغذية في رمضان، لحوقا بهذه الاعداد المصابة بحالة ذعر، وهو امر ينطبق ايضا على قصة دور الاعلام في المنخفضات الجوية.
قبل الكهرباء، وقبل الانترنت، والمجتمعات مازالت صغيرة، وعلى مدى الاف السنين، او مئات السنين، كان الناس يتعاملون مع كل هذه التواقيت بشكل اعتيادي، اذ ان الثلج ليس جديدا، ورمضان ليس جديدا ايضا، ونحن هنا لاننكر اهمية الاعلام في ايصال المعلومات حول بعض القضايا بخصوص هذه التواقيت، لكننا ننتقد المبالغة، والميل الى صناعة ازمات، بدلا من الثقيف الاعلامي، ووضع المعلومات المهمة فقط، من اجل تنبيه الناس، بدلا من توتيرهم.
بدلا من صناعة الازمات، فان الاصل في هذه التواقيت صناعة اعلام ايجابي ذكي، وعلى سبيل المثال، فان الطقس الصعب وتساقط الثلج، يجب ان يتسبب بنشر عشرات القصص الجميلة، عن مؤازرة الجيران لبعضهم البعض، او اي لفتات انسانية، او تقارير تستذكر الثلج في ذاكرة كبار السن، وغير ذلك من افكار، لان هكذا ميقات يفيض بالايجابية، لكننا نتجنب الايجابية، ونقول للناس، ان هناك ازمة كونية؛ لان الثلج سوف يسقط على بلد اعتاد الثلج، ثم نتورط باحصاء عدد الارغفة التي اكلها الاردنيون، في صياغة ساذجة تقدم الناس بصورة سلبية، وكأنهم وحدهم الذين يأكلون في العالم.
دور الاعلام، يجب ان يكون اذكى بكثير، من هكذا معالجات؛ لان علينا التنبه، الى الفرق الكبير بين صناعة الايجابية، وصناعة الازمات في الاعلام.
الدستور