موازنة الحكومة ام النواب ام الشعب؟
د. عدنان سعد الزعبي
21-01-2018 11:57 AM
لا أجد خلافا في أن الموازنة الأردنية هي نتاج سياسات اقتصادية صنعتها ظروف متراكمة محلية وخارجية أجبرت الحكومة على اتخاذ إجراءات سمتها تصويب العيوب ،والتي باعتقادها أثرت على مالية الدولة وخاصة الدعم الذي تجاوز الشرائح المحتاجة والمواطنين المعوزين .
القضية الأساسية أن تراكمات الأخطاء الحكومية في بعدها عن أي إجراءات غير شعبوية و محاباة مواقف الصالونات السياسية وترقبها لهفوات الحكومة لمعاقبتها باسم ردود الفعل الشعبي ، وتحريض النواب وبالتالي حدة الصراع داخل قبة البرلمان ،ساهم على الدوام بترحيل المشاكل أو تراكمها الى يومنا هذا ،إلى أن انفجر الوضع عندما وجدنا انفسنا بموازنة عاجزة ومديونية خارقة ، ومساعدات متضائلة مما شكل المحنة الكبرى التي تدحرجت وكبرت حتى وصلنا إلى درجة احتجنا فيها إلى عملية جراحية نستأصل فيها سرطان الأخطاء وإعادة وضع الموازنة في طريقها السليم، رغم يقيننا بحجم الآلام المترتبة على ذلك . فنحن بأمس الحاجة إلى توجيه السلوك العام الوطني نحو الواقع الذي يمثلنا حقيقة ، والتأقلم والتعامل معه بشكل يبتعد عن الانفصام والازدواجية المتناقضة ، فلا يجوز أن نتصرف كدولة ثرية ، ونحن نعاني من مديونية فاقت المعايير بكثير ، ونمو مضطرب وغير نام ، ونسب فقر وبطالة .
من الطبيعي الأن أن نفتح صفحة جديدة ، ولكن صفحة صادقة نظيفة ناصعة تأخذ عبر قصص الفساد التي أثارها النواب تحت القبة بدءا من قصة بنك البترا إلى أسهم بنك الأردن والخليج إلى مصنع الزجاج، إلى الفوسفات ، إلى الكزينو...الخ مرورا بالفساد الإداري الذي بني على الشللية والمحسوبية والتنفيعات والبرعمة والتوريث وصولا إلى صناع القرار الذين كان هدفهم: مصالحهم ومنافعهم وترتيب أمورهم لما بعد وظائفهم ليعودوا نوابا أو أعيان أو رؤساء حكومات.
ظلم المواطن(بضم الظاد) ..نعم حقيقة لا يمكن نكرانها ، غير أن المواطن قد شارك بظلم نفسه عندما فكر وقرر الإتيان بنواب لا يعرفون من مسؤولية التمثيل إلا أسمها ، فاذا عتب المواطنين على الحكومات في مسلسل الرفع والغلاء فإن عليهم محاسبة من مكنوهم لحماية عرين مرماهم من النواب الذين يجب أن يدافعوا وأن ينصفوا وأن يعملوا من أجل خلق توازن معقول بين حقوق الموازنة ومصلحة الوطن ، وبين انصاف المواطنين بالدعم وتوجيهه لمن يستحقه وترسيخ العدل والإنصاف.
نحن لا نريد سمكة بل نريد تعلم الصيد ، فقد هلكنا عندما رضينا بالسمكة ونحن نتكئ على فراش وثير ونتنعم بما نتلقاه من دعم ومساندة دون أن نكلف أنفسنا مجرد التفكير أن لكل دولار ثمن وأن الوضع لا يدوم .
فشلنا جميعا حكومات ومواطنين ، حيث لم نجد حكومة كحكومة وصفي وهزاع تنظر للواقع وتأكد مقولة زرعنا فأكلنا ويزرع فيأكلون وترسم سياسة العمل والإنتاج ومد الأقدام على قدر الغطاء ، وبنفس الوقت فشل الشعب في تغيير ما بنفسه فيختار الأفضل الذي ينظر بعين الرائي المتبصر بعيد المدى فيرى إلى أين نحن ذاهبون ، وما هو المصير ، ويؤسس على ذلك .
هذا المقلب الذي عشناه طويلا جاء وقت حصادة ولا بد من التحمل كونه نتاج فعلنا ومحصلة تفكيرنا ، ولم يبق أمام الحكومات الحالية والقادمة ما تتحجج به حتى تخرج من تقصيرها ، فالجميع أمام لوح زجاجي يكشف ما خلفه وما تحته وجميعنا على البلاطة ، وأن العمل السليم الواضح الصادق سيكشف سره وستظهر نتائجه ، فإذا وافق المواطن وصمت رغم مرارة القرارات ، فلإن ذلك طريقا للصواب أولا ومعالجة الأخطاء ثانيا ، وبصيصا للأمل الذي حاولت الظروف والمؤامرات الدولية والدول التي بلا رحمة قيادتنا اليه وفرض شروطها على إرادتنا وقرارنا ، وهذا صعب المنال.
الحكومة الأن مدعوة بالفعل لأن تحكم وبشكل متوازن ، مفاهيم المعونة الوطنية ، وأن تعيد النظر بالإدارة الحكومية بحيث تستأصل سرطانات التعطيل والشللية والمحاباة ، ومنح الجميع فرص المساواة ، لأن الشعور بالعدل والمساواة يفاقم الإبداع ويفجر الطاقات الخلاقة .
وهي مدعوة كذلك أن تعيد الثقة للنواب أمام الشارع الأردني الذي حمل الحكومة كل ما يجري داخل أروقة القبة ، وكأن النواب مجرد أرقام على يمين الفاصلة . فإذا كانت العلاقة تشاركية تكاملية فهي لا تعني القضاء على هيبة مجلس النواب ودورهم الذي يؤسس الثقة مع المواطن، فإذا فقدت الثقة فقد الدور وعندها تتحمل الحكومة الوزر بأكمله.
الحكومة هي السلطة التنفيذية ويجب أن تكون كذلك بالمعنى الحقيقي الذي رسمه الدستور وهكذا هو مجلس النواب ، وإذا اختلت المعادلة ، فإن ذلك معناه ضرب بالدستور وقواعد الوطن ، وهذا ما حصل فلنعد لرشدنا بعد هذه الهزة التي أيقظت الأموات قبل الأحياء ولنفكر بمستقبلنا كما هي إيرلندا وسنغافورة وماليزيا...الخ. فاذا ارتفع الخبز يجب علينا الحفاظ على كل قطعة خبز واستهلاكها بحمد ، وإذا ارتفعت السلع فما زال الأجنبي يشتري حاجاته يوميا خوفا من أن يتلف أو لا يستخدم ما يتبقى .
دعونا نفكر بصوت عال ونعيد حساباتنا ، فالسلوكيات الإيجابية هي نتاج الفكر المستنير وهي موجودة وتحتاج التطبيق فقط .