وهذا الاستغراب، عبر عنه جلالة الملك في لقائه مع رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية الأسبوع الماضي، عندما قال إنه لا يرى تطبيقا كافيا لأوراقه النقاشية من قبل المؤسسات.
فما الذي يمنع تلك المؤسسات من أن تستفيد من أفكار وضعت أمامها لترجمتها إلى برامج قابلة للتطبيق على أرض الواقع؟، وأين مكمن الخلل؟.
بعد كل ورقة نقاشية نشرها جلالته، كان ثمة إشادات من مسؤولي الدولة ونخبها بالأفكار التي تضمنتها، لكن وللأسف كان تناول تلك الأفكار يتم بشكل سطحي، إذ لم يبادر أحد من المسؤولين إلى دراسة تلك الأفكار دراسة معمقة وعرضها على النقاش بحيث يستخلص منها برنامج عمل لينهض بها مؤسسته.
بل إن ما يثير الاستغراب كثيرا، تلك الإشادة منقطعة النظير التي حظيت بها الورقة النقاشية السادسة التي أفردها جلالته للحديث عن سيادة القانون، وهو العصب الذي تقوم عليه الدولة المدنية في ضمان الحق والعدل بين المواطنين.
ويأتي هذا الاستغراب من استمرار «داء الواسطة»، المستشري والذي قد يصل إلى حد التوسط لدى القضاء في قضايا من حق الدولة والمجتمع أن يقول القضاء فيها كلمته دونما تأثير من أحد.
لا جدال في ان القضاء لدينا نزيه ومستقل،ورغم ذلك ثمة من يتوسط هنا وهناك، وهؤلاء للأسف قد يكون منهم من هو في موقع المسؤولية أكانت تلك المسؤولية في موقع التمثيل الشعبي أو العمل في إحدى مؤسسات الدولة الحكومية.
في أوراقه النقاشية أفرد جلالة الملك مساحات كبيرة للحديث عن تطوير الجهاز الحكومي، غير أن الجميع يعلم ما تعانيه الكثير من مؤسسات الدولة من ترهل ورتابة في العمل ما جعل بعضها معطلا لكل تحديث وتطوير.
ثمة قطاعات خدمية مرتبطة ارتباطا مباشرا بحياة الناس اليومية، تحتاج إلى ثورة جادة لتطويرها على النحو الذي يُرضي الناس، فالإجراءات الكلاسيكية التي تتعامل وفقها تأكل من جهد ووقت المواطنين بل وترهقهم في طلبات ومراجعات هم في غنى عنها لو ساهم مسؤولو تلك القطاعات في تحديث منظومة العمل ودفع الموظفين للانجاز بالسرعة الممكنة والمهنية اللازمة.
في الحقيقة، ما قلناه سابقا لا ينطبق على جميع المؤسسات، فثمة مؤسسات شرعت في عملية تطوير أدائها وتحديثه، إلا أن ذلك ليس كافيا، فما تم الوصول إليه حتى اليوم لا يمكن تسميته انجازا عظيما لأن ثمة الكثير الذي يحتاج إلى التحديث والتطوير.
المرحلة المقبلة، لا تقل اهمية وحساسية عن المرحلة التي مررنا بها خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا ما يجعلنا بأمس الحاجة إلى استمرار عملية الاصلاح والتطوير، والجهاز الإداري في القطاع العام هو الهدف حتى تكون عملية الاصلاح كاملة وشاملة.
إذ لا معنى لكل الاصلاحات الاقتصادية إن لم تترافق وإصلاحات سياسية وإصلاحات إدارية، لأن قرارا خاطئا من مسؤول من شأنه أن يحدث أزمة اقتصادية أو اخرى سياسية.
بالتالي، فإن الجرأة والدقة والحرفية هي أحوج ما نكون إليه من مسؤولي الدولة خلال المرحلة المقبلة التي لا ينفع معها التردد أو ترحيل المشاكل والأزمات لأنها ستنفجر ذات يوم إن لم نضع لها الحلول المناسبة، في وقتها المناسب.
جلالة الملك، وضع بين أيدينا كنزا ثمينا في أوراقه النقاشية، فلتكن هي مرشدة لنا في عملنا، وفي تخطيطنا المستقبلي، وهذا لا يقع على عاتق الحكومة ومؤسساتها فقط بل البرلمان والأحزاب السياسية ايضا التي مازال الكثير منها غير فاعل في المشهد السياسي المحلي.
بالتالي، ما الذي يمنع بعض هذه الأحزاب المتشابهة في الأفكار والأهداف من الاندماج لتحظى بالجماهيرية اللازمة التي تخولها لتكون فاعلة في المشهد السياسي.
الأحزاب لم تطور ذاتها، وهو ما انعكس وما زال على الحياة البرلمانية التي تفتقر إلى التمثيل الحزبي الحقيقي بحيث تكون رافعة للعمل البرلماني ووصولا إلى الحكومات البرلمانية، التي طالما تحدث عنها جلالة الملك ووضعها هدفا وغاية يجب ان نصل اليها. ولايتحقق ذلك من دون تطوير الأحزاب لذاتها والوصول لعدد محدود من الاحزاب تكون قادرة على الفعل والتأثير والوصول إلى قبة البرلمان.
هذه كلها وأكثر طرحها جلالته في أوراقه النقاشية، وبالتالي المسؤولية تقع على عاتق الدولة بجميع مؤسساتها ونخبها ومسؤوليها، فالكرة الآن في مرمانا جميعا لنطلق ثورة بيضاء نعيد فيها العمل الجاد على تطبيق ما ورد في أوراق جلالة الملك النقاشية لنحولها من أفكار نظرية إلى برامج عمل واقعية قابلة للتطبيق.
الرأي