الانتخابات العراقية، جدل سياسي بأدوات قانونية
سهاد طالباني
20-01-2018 07:36 PM
مع اقتراب منتصف مايو/أيار المقبل وهو الموعد المحدد لإجراء الانتخابات العراقية، لا يزال الجدل محتدما بين مختلف الأطراف السياسية حول عقد الانتخابات في موعدها او تأجيلها، ولكل طرف حججه واسبابه التي تدعم موقفه ووجهة نظره دون ان يكون لأي طرف غلبة على الاخر في مناقشة المسألة.
يدور هذا الجدل وسط أجواء تختلط فيها الأمور الى درجة تشكيل لوحة سريالية غير واضحة المعالم، حيث يعيش العراق على واقع الزهو بالانتصار الذي تحقق على تنظيم داعش الإرهابي وتحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم، الا ان هذا المشهد بالتحديد لا يخلو من الشوائب التي خلفتها مسألة المهجرين والنازحين الذين يقدر عددهم بأكثر من مليونين وستمائة الف شخص، وهي القضية المرتبطة بشكل مباشر بالإجراءات الانتخابية، ودون ان نغفل طبعا التعقيدات التي نتجت على تأزم العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان بعد الاستفتاء الذي تم تنظيمه في الإقليم وما نتج عن هذه الازمة من تغييرات ديمغرافية والتي تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي شئنا أم أبينا.
ومن الطبيعي وفي ظل هذا المشهد المعقد ان تحاول الأحزاب والشخصيات السياسية الاستفادة مما يجري لتحقيق مكاسب انتخابية، سواء من خلال ضغط البعض لإجراء الانتخابات في موعدها او من خلال محاولة البعض الاخر تأجيلها، وواقع الأمر ان كافة الأطراف، سواء تلك التي تدعو للتأجيل او تلك التي تصر على عدم التأجيل، تتبنى مواقفها من منطلق تحقيق اكبر مكاسب انتخابية ممكنة سواء الان او في المستقبل.
وما يزيد تعقيد الأمور ان الصراع على موعد الانتخابات هو في جوهره صراع سياسي، الا ان الأدوات التي يتم استخدامها في إدارة هذا الصراع هي أدوات قانونية بحتة، وهذا يعني تعريض البيئة التشريعية والقانونية والدستورية في العراق لخطر التجاذبات السياسية، وهو أمر كان له في الماضي اثار سلبية كبيرة على المشهد العراقي وعلى العلاقات بين مختلف القوى العراقية، ومع ذلك فلا مخرج من الجدل القائم الا من خلال الأدوات القانونية.
ان الالتزام بالدستور والقانون يعني بالضرورة الالتزام بموعد الانتخابات، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، حيث قد يؤدي تنظيم الانتخابات في موعدها في ظل وجود اعداد كبيرة من النازحين والمهجرين وفي ظل غياب الاستقرار عن بعض المناطق الى التشكيك في نتائج العملية الانتخابية وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه امام موجة كبيرة من التشكيك في شرعية المجلس المنتخب وما سينتج عنه من قرارات تشريعية مستقبلية، وهو مشهد يذكرنا بعملية صياغة الدستور العراقي والتي لا يزال البعض حتى يومنا هذا يطعن بها وبنتائجها ويحملها مسؤولية الفوضى التي حلت في العراق وخصوصا بعد عام 2005.
عامل اخر لا يمكن اغفاله يتمثل في عدم استقرار التحالفات الانتخابية حتى الان، فعلى الرغم من الإعلان عن بعض هذه التحالفات الا ان المشهد لا يزال ضبابيا الى حد كبير، فالتحالف الذي يتشكل اليوم قد ينهار غدا، والحزب الذي ينضم الى تحالف معين اليوم قد ينتقل الى تحالف اخر غدا، بل ان بعض الأحزاب والمكونات السياسية لم تتخذ بعد أي موقف معلن فيما يتعلق بتحالفاتها الانتخابية، وهو الأمر الذي يجعل الجدل حول الانتخابات اكثر تعقيدا.
الجدل لم يقتصر فقط على الأطراف العراقية، بل انتقل الى أطراف أخرى وأهمها الولايات المتحدة التي أعلنت موقفها ضد تأجيل الانتخابات بكل وضوح، وهو ما يشكل ضغطا إضافيا على كافة القوى العراقية باتجاه القبول بإجراء الانتخابات في موعدها.
وقد تعامل مجلس النواب العراقي مع كل هذه الضغوطات بنقل الكرة الى ساحة المحكمة الاتحادية لاتخاذ القرار المناسب، وهي خطوة قد تكون ذكية من الناحية السياسية الا انها قد تضع المحكمة وهي سلطة قضائية وأيا كان قرارها في مواجهة القوى السياسية، ومع ذلك فلا يبدو في الأفق حل اخر لحسم الجدل الدائم.
وسواء تم عقد الانتخابات في موعدها ام تم تأجيلها فان على الدور الأهم من وجهة نظري يقع على عاتق مفوضية الانتخابات، والتي يجب ان تبذل كل جهد ممكن بل وغير ممكن لتنظيم انتخابات نزيهة وصحيحة تضمن حق الجميع بالمشاركة دون عوائق، وان تتم العملية بشفافية مطلقة تمنع أي تشكيك فيها، وعلى المفوضية ان تدرك ان أي هفوة في تنظيم العملية الانتخابية سيكون لها اثار سلبية خطيرة على المشهد السياسي والأمني في العراق.