يبدو أن بعض ممارسي السياسة من أبناء جلدتنا قد أدمنوا على الهزائم والانكسارات إلى الحد الذي أصبحوا فيه غير قادرين على تخيل إمكانية تحقيق المكاسب والانتصارات.
ويقر المختصون الإكلينكيون بوجود هذه الظاهرة ، وهي أقرب ما تكون إلى ما يسمى في علم النفس ب"عقدة ستوكهولم" والتي ينظر السجين المصاب بها بانبهار إلى سجانه ويعتبره خارق القوى ولا يهزم ، ويرفض هذا السجين حتى أن يغادر محبسه بعد الإفراج عنه حتى لا يبتعد عن سجانيه !
أما مناسبة الحديث فهي تلك الأصوات النشاز التي انطلقت من بعض ممتهني السياسة لدينا للتشكيك في المكسب الكبير الذي حققه الأردن بفضل حكمة وحنكة جلالة الملك وإصراره على اعتبار كرامة الأردنيين وحقوقهم خطا أحمر مما أجبر إسرائيل على الاعتذار للأردن في حادثي استشهاد القاضي زعيتر والمواطنين الحمارنة والجواودة الذين استشهدا في حادث السفارة.
لقد أدمن بعض ممتهني السياسة على الانكسار والخضوع إلى الحد الذي أصبحوا معه غير قادرين على تصديق أن بلدا كالأردن يستطيع أن يفرض إرادته سياسيا على إسرائيل كما أذل عنقها عسكريا في معركة الكرامة.
لقد أدخل جلالة الملك البهجة إلى قلوب أبناء شعبه عندما أصر على موقفه الحازم بعدم عودة السفيرة أو فتح السفارة إلا بعد الاعتذار للأردن وتعويض ذوي الضحايا . وأمام هذا الموقف الصلب ، وجدت إسرائيل نفسها مجبرة على الرضوخ والاستجابة لكل الشروط الأردنية مما قدم للعالم نموذجا مشرقا لمكانة المواطن الأردني في قلب ووجدان جلالة الملك.
ولأن القدوة والنموذج لبعض ممتهني السياسة لدينا هي رموز الحكم الشمولي والقمع في العالم المسمى تجاوزا بالثالث فهم غير قادرين على استيعاب حقيقة أن قائدا كجلالة الملك يمكن أن يحقق كل ذلك لوطنه وينتصر لكرامة مواطنيه ، فهم لم يعتادوا على ذلك في النماذج التي تشدهم والتي لا قيمة ولا اعتبار فيها للمواطن.
ولهذا دخل هؤلاء الحزبيين والساسة في نقاش عقيم حول مصطلحي الاعتذار والأسف ، وكأنهم قادرون على تقديم أي منجز حقيقي على الأرض سوى الخطابات العنترية التي لا تساوي الحبر الذي تكتب به.
وليعلم هؤلاء أن بعض مفسري القانون الدولي يقولون أن تعبير الأسف هو أحد الاستحقاقات المبنية على الإقرار بالذنب ثم الاعتذار ، أي أن الدولة المعتدية تعتذر أولا ثم تعبر عن أسفها وتقوم بالتعويض. ورغم ذلك فقد انطلق " جهابذة" القانون الدولي بالسعي للانتقاص من المكسب الأردني الكبير بالتوقف عند المصطلحات اللغوية ، تماما كما فعل أهل بيزنطة عندما دخلوا في نقاش لا طائل من ورائه حول جنس الملائكة سواء كانوا ذكورا أم إناثا بينما كان العدو يقتحم أبواب مدينتهم ، ومن هنا جاء مصطلح " جدل بيزنطي " الشائع اليوم.
إذا كان إدمان الهزائم جعل بعض المحسوبين على عالم السياسة لدينا غير قادرين على تصديق أن هناك أناسا يمكن أن يحققوا المكاسب والمنجزات فلابأس من أن يستمروا هم في جلد الذات الكربلائي الذي أصبح جزءا من حياتهم ، أما نحن فاتركونا نحتفي ببلدنا وبمكانة مواطننا الرفيعة في وجدان مليكنا .. واهنؤوا أنتم بإدمانكم على الهزائم.