إعادة فتح السفارة بين الانتصار وواجب الحذر
اللواء المتقاعد مروان العمد
20-01-2018 03:35 PM
يوم أمس أعلن وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة ان وزارة الخارجية وشؤون المغتربين تلقت مذكرة رسمية من وزارة الخارجية الإسرائيلية عبرت فيها عن أسف الحكومة الإسرائيلية وندمها الشديدين إزاء حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان التي وقعت في الرابع والعشرين من شهر تموز من العام الماضي وأسفرت عن استشهاد المواطنين الأردنيين كل من الشاب محمد الجواوده والدكتور بشار الحمارنة. وكذلك حادثة استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر على أيدي عناصر من الجيش الاسرائيلي على جسر الملك حسين اثناء ذهابه في زيارة لأقاربه في المحتل من فلسطين وذلك بتاريخ العاشر من شهر آذار عام ٢٠١٤. وان الحكومة الإسرائيلية تعهدت رسمياً من خلال مذكرتها بتنفيذ ومتابعة الإجراءات القانونية المتعلقة بحادثه السفارة في عمان وتقديم تعويضات ماليه لذوي الشهداء الثلاثة. وان مذكرة الخارجية الإسرائيلية اشارت الى ما تضمنه ملف الحادثة الذي قدمته الحكومة الأردنية ومؤكدة حرص الحكومة الإسرائيلية على استئناف التعاون مع المملكة الأردنية الهاشمية وحرصها الشديد على هذه العلاقة وسعيها الى تسويه هذه الملفات .
وفي تصريح للناطق الرسمي قال ان الحكومة ستتخذ الإجراءات المناسبة وفق المصالح الوطنية العليا على ضوء المذكرة الإسرائيلية لا سيما انها تضمنت الاستجابة لجميع الشروط التي وضعتها الحكومة الأردنية عقب حادثه السفارة من اجل فتح السفارة ومن ضمنها الإجراءات القانونية . وان هذا تم بموافقه ذوي الشهداء الثلاثة . وان السفارة لن تُفتح الا بعد تعين سفير جديد لإسرائيل بدلاً من السفيرة عينات أشلاين والتي كانت في المنصب اثناء الحادثة نتيجة لموقفها وتصرفاتها اثر الحادث وموافقه الأردن على هذا التعيين .
وبناء على ما ورد في هذه التصريحات فقد احتفلنا بهذا الانتصار الذي حققته الدبلوماسية الأردنية ومعها الأجهزة الأمنية الأردنية ومن فوقهم نشاط ونفوذ جلالة الملك المعظم والتي اجبرت الغطرسة الإسرائيلية على الخضوع للمطالب الأردنية وخاصه بعد الصلف والاستهتار التي قامت به السلطات الصهيونية اثر الحادثين ، حيث رفضت اتخاذ أي إجراءات قانونيه بحق قتله الشهيد رائد زعيتر رغم تشكيل لجنه تحقيق مشتركه لهذ الغاية لم تُمارس اَي نشاط لها حتى الآن . وحيث قام نتنياهو باستقبال رجل الامن الإسرائيلي القاتل زئيف استقبال الأبطال ومتابعه مراحل عودته الى اسرائيل بصحبه السفيرة الإسرائيلية وبسيارتها برفقتهم جميع أركان السفارة. والاتصال الهاتفي الذي أجراه معه فور اجتيازه للجسر مهنئاً له بسلامه العودة وان اسرائيل لن تتخلى عن ابطالها ، ثم استقباله بالأحضان لدى وصوله الى مكتبه ورفضه ورفض الجهات الصهيونية اتخاذ أي إجراءات قانونيه بحقه كما تقتضي بذلك الاتفاقات الدولية ، بالرغم من ان الأردن التزم بتعهداته الدولية وشدّ على النواجذ وسمح للقاتل ولأركان السفارة بالمغادرة لتمتعهم بالحصانة الدبلوماسية دون ان يحاول الأردن استغلال هذا لظرف لتحقيق منافع ومصالح خاصه له وأهمها في ذلك الوقت قضيه البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى .
لذا اعتبرنا ما حصل انتصاراً كبيراً للأردن وخضوعاً صهيونياً للموقف الأردني خاصه بعد الضغوطات الكثيرة الصهيونية والأمريكية التي مورست ضد الأردن لإرغامه على التنازل عن شروطه هذه والتي من الممكن ان يكون منها الايقاع بين الأردن وبعض اشقائه من الدول العربية ووقف المساعدات عنه او التهديد بذلك الا انه صمد في وجهها جميعها ، وذلك لا هميه أعاده فتح السفارة الإسرائيلية في الأردن بالنسبة لهم والتي هي اقل اهميه بالنسبة لنا ، كما انها مرفوضه شعبياً بالرغم من بعض الخدمات التي تقدمها السفارة من حيث تمكين الراغبين في زياره ذويهم أو أملاكهم عن طريق إعطائهم الفيز الخاصة بذلك بعد كثير من المذلة والهوان .
قلت اننا اعتبرنا ذلك نصراً للأردن واحتفلنا به ولكني نبهت في تعليق لي ليلتها من مدى التزام دوله الصهاينة بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه وان هذا يتطلب من الأردن شده الانتباه والمتابعة لضمان تنفيذها له ، فقد استعملت دوله الصهاينة من حرف واحد وهو انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة حسب النص العربي وانسحاب اسرائيل من اراضي محتله حسب النص الانجليزي ذريعة ووسيله لعدم تطبيق قرارات الامم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية منذ عام ١٩٦٧ وحتى الآن .
والآن وبعد ساعات من الإعلان الأردني عن المذكرة الإسرائيلية والاتفاق بين الطرفين أخذت تصدر من الجانب الاسرائيلي تصريحات وتوضيحات تتضمن الكثير من الألغام والمطبات التي تمكنها من التهرب من التزاماتها بعد ان تكون قد فتحت سفارتها . ومن ذلك ما صرح به النتنياهو لصحفيين مرافقين له في زيارته للهند وكما نقلته الصحفية الإسرائيلية شيرين كوهين بأن اسرائيل قد قدمت اعتذارها للأردن عن حادثتي القاضي زعيتر والسفارة في عمان واعترف بأن حكومته قد دفعت تعويضات للحكومة الأردنية وليس لذوي الضحايا وهذا له دلالاته بعدم اعترف اسرائيل بمسؤوليه قواتها وحارسها عن قتل الأردنيين وان التعويضات دفعت للحكومة الأردنية من اجل طي صفحه هذا الملف. كما صرح ان السفارة الإسرائيلية في عمان سوف تْفتح فوراً وتمارس أعمالها دون ان يربط ذلك بتعين سفير او سفيره جديده في الأردن . وعن السفيرة السابقة والتي ادان الاردن تصرفاتها ورفض عودتها فقد قال عنها نتنياهو أنها لن تعود للأردن الا انه يقدر كثيراً هذه السفيرة مما سينعكس على تعين من سيخلفها في الأردن . وانه سيتم تعينها قريباً في منصب رفيع . وهذه رساله الى الحكومة الأردنية بأن هذه السفيرة وما قامت به من تصرفات استفزازية بحق الأردن هي محل تكريم وتقدير من قبله وقبل حكومته وانه سيتم تعينها في منصب رفيع تكريماً لها ولا استبعد ان يتم منحها وساماً تقديراً لصفاقتها وقله أدبها اتجاه الأردن .
كما اكد ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي ان اسرائيل والأردن قد توصلا لاتفاق حول أعاده العمل في السفارة الإسرائيلية في الأردن وان هذه السفارة ستعود الى عملها المعتاد فوراً وان السلطات المختصة في اسرائيل ستقوم بدراسة المواد التي تم جمعها حول أحداث تموز عام ٢٠١٧ وان من المرتقب انها سوف تتخذ قرارات بهذا الشأن خلال الأسابيع القليلة القادمة . ومن الواضح ان هذا لا يعني بالضرورة تقديم حارس الامن القاتل الى المحاكمة ولكن لدراسة المعلومات المتوفرة حول الحادثة واتخاذ الأجراء المناسب بحقه ، والذي قد يكون عدم توفر ادله على وجوب محاكمته او اعتباره انه كان في حاله دفاع عن النفس او الى ابعد تقدير اتهامه بتجاوزه لحدود الدفاع عن النفس ومحاكمته وإصدار حكم بحقه في السجن بضعه أشهر في احد المنتجعات ثم إصدار عفو عنه كما هي عاده هذا الكيان المجرم مع جميع مجرميه من اجهزته الأمنية وقوات جيشه عندما يقدمون على قتل المواطنين الفلسطينيين او العرب دون وجود مبرراً لذلك . كما لم يتضمن التصريح الأردني وأقوال نتنياهو وبيان ديوان الرئاسة الإسرائيلية عن أي اجراء يمكن ان يتخذ بحق قاتل الشهيد رائد زعيتر ومحاكمته . كما لم يتعرض بيان ديوان الرئاسة الإسرائيلية الى موضوع الاعتذار للأردن او دفع التعويضات له ولذوي للضحايا . في حين تضمن البيان الصهيوني ان اسرائيل تولي اهميه كبيره للعلاقات الاستراتيجية مع الأردن وان البلدين يعملان على تعزيز التعاون بينهما بموجب اتفاقيه السلامة الموقعة بينهما .
إذاً نحن هنا امام اختلافات جوهريه بين ما أعلنه الأردن من تفصيلات عن بيان الخارجية الإسرائيلية وما صرح به بنيامين نتنياهو ورئاسة ديوانه عن هذا البيان . فهل نحن امام خطابين يسعى كل منهما الى حصول رضا الطرف المخاطب عليه ؟ أم انه عوده للممارسات الصهيونية التي اعتدنا عليها بأن تجعل لكل شيء وجهين احدهما موجه لنا لإقناعنا به والآخر موجه للداخل المتطرف لديهم ويكون وسيله لهم للتهرب من التزاماتهم اتجاهنا مستقبلاً ؟
أرى ان على الجهات المعنية الأردنية ان توضح ذلك لنا وان تواجه الطرف الآخر وتطالبه بضرورة تفسير ما يقوله وتأكيد التزامه بمحاكمه قاتل القاضي رائد زعيتر وقاتل المواطنين الأردنيين في سفارتها بعمان وليس دراسته المعلومات لديها ثم اتخاذ قرارها المناسب بعد ذلك . كما ان عليها ان تقر وتعترف بأن التعويضات دفعت لذوي الشهداء تكفيرا عما فعله مجرمي اسلحتها الأمنية والعسكرية بحقهم . وان تكف عن تصريحاتها الاستفزازية بموضوع السفيرة غير المرغوب فيها وليس مكافئتها على دورها بهذه الحادثة لما يمثله ذلك من استفزاز لمشاعر المواطنين الأردنيين .