العلم الاردني .. قلق الهوية
فهد الخيطان
08-03-2009 03:05 AM
الرايات لا تصنع الولاء والمبالغة في التوظيف تساهم في تأزيم المجتمع
منذ ان تسلم المنصب في التعديل الوزاري ابدى وزير الداخلية نايف القاضي اهتماما خاصا بتفعيل قانون العلم الاردني الذي اقره مجلس الامة قبل اربع سنوات. وفي الايام الاولى لتوليه المسؤولية عمم القاضي على الحكام الاداريين بضرورة التقيد باحكام قانون العلم الاردني في كل المناسبات والاحتفالات وتطبيق الاحكام الخاصة برفعه على المباني الرسمية والعامة.
وتجدر الاشارة هنا الى ان المسألة كانت تشغل الوزير القاضي قبل ان يتولى حقيبة الداخلية فخلال العدوان الاسرائيلي على غزة كتب القاضي مقالا في »العرب اليوم« بتاريخ 13/1/2009 بعنوان »العلم الاردني يجمع كل الالوان« انتقد فيه بشدة رفع اعلام غير العلم الاردني في المسيرات.
ودعا الى »الوقوف صفا واحدا تحت العلم الاردني الذي يجمع كل الالوان ومعانيها السامية من دون تفريق او تمييز وان لا يعلو في الساحات علم على علم الوطن«.
لا يجادل احد في اعتبار العلم رمزا للدولة ومواطنيها وعنوان اعتزاز وطني يختصر معاني الانتماء كما هو الحال عند شعوب العالم قاطبة. والعلم في الاردن من ثوابت الدستور والاساءة اليه جريمة يعاقب عليها القانون ولا يغفرها المجتمع. وفي مرحلة ما قبل الديمقراطية »1990« كان العلم بالنسبة للاحزاب المحظورة امرا مقدسا ومحترما يوضع دائما فوق الخلافات السياسية الى جانب ثوابت الدستور الاردني المعروفة.
بيد ان المبالغة احيانا في توظيف العلم واستخدامه تؤدي الى نتائج عكسية نود التوقف عندها رغم حساسية الموضوع.
لا يمكن لنا ان نختصر الولاء للوطن برفع الاعلام فالانتماء والولاء يتشكلان في سياق علاقة تراكمية بين الدولة ومواطنيها, تقوم على الاحترام المتبادل والالتزام بالحقوق والواجبات, وحين يشعر المواطن ان مبادئ العدل والمساواة تغيب او تتراجع فان الرايات مهما علت ستعجز عن تبديد مشاعر السخط والنقمة داخله.
وفي السنوات الاخيرة اظهرت استطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية ان الفجوة بين الحكومات والناس في اتساع. واللافت في تلك النتائج انها تزامنت مع طرح اكثر من مشروع رسمي لاصلاح هذه العلاقة مثل »الاردن اولا« و »كلنا الاردن« وتبين لاحقا انها مجرد حملات علاقات عامة لا تقدم ولا تؤخر.
والملاحظة الثانية هي ان الولاء واحترام الرموز الوطنية وفي مقدمتها »العلم« لا يتحقق من دون مشروع وطني جامع تصبح الراية فيه عنوانا للانتماء ولا مجرد رمز.
والتوظيف المبالغ فيه للرايات يعكس في بعض جوانبه حال الهويات المأزومة ويعمق الشرخ الاجتماعي عوضا عن ردم الفجوة بين مكونات المجتمع. عند سؤال الذين يضعون الاعلام الصغيرة على سياراتهم تسمع اجوبة مقلقة, فهناك من يعتبرها وسيلة لكسب ود شرطي المرور وتجنب المخالفة, الحال ذاته ينسحب على حرب »الكوفيات« التي نشهدها في الجامعات والمدارس. فهي من وجهة نظري مظاهر صراع لا ولاء ينبغي التوقف عندها. والحرص الزائد على الرايات لم يثمر ولاء للوطن بقدر ما استخدم غطاء لازدهار الهويات الفرعية القاتلة بطبعاتها المختلفة وتشهد مواجهات الطلبة في الجامعات على ذلك ففي حالات عديدة كان الطرفان المتصارعان يرفعان العلم الاردني كواجهة لهوية جهوية او جغرافية.
اما الموقف من رفع رايات الاخرين في المسيرات والمظاهرات فتلك مسألة ينبغي التوقف امامها وقراءاتها في سياق طبيعي ومن دون انفعال وطني. عندما تخرج مسيرة في عمان للاحتجاج على صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني فمن الطبيعي ان يرفع المشاركون علم السودان كوسيلة للتعبير عن تضامنهم. هذا لا يعد انتقاصا من العلم الاردني لان المناسبة لا تخص الاردن. هذا الاسلوب متبع في دول العالم كافة للتعبير عن مشاعر التضامن, وفي المسيرات التي جابت شوارع العالم تضامنا مع غزة رفع الاوروبيون واليابانيون والصينيون اعلاما فلسطينية فهل بوسعنا اعتبار الملايين من البشر اعداء لاوطانهم؟!
قبل عدة اشهر قام جلالة الملك عبدالله الثاني بزيارة الى تشيلي في اطار جولة على دول امريكا اللاتينية يومها شعر جلالته والوفد المرافق بسعادة غامرة عندما دخل الى قاعة احد الاجتماعات تشيليون من اصل اردني وهم يرفعون العلم الاردني فهل يحق لحكومة تشيلي ان تطعن بولاء هؤلاء لمجرد انهم رفعوا راية بلد آخر؟!0
fahed.khitan@alarabalyawm.net
العرب اليوم.