ما زالت الحكومة تتابع تطورات الازمة المالية العالمية ومدى انعكاسها على القطاعات الاقتصادية التي بدأ بعضها يدخل مرحلة الركود مما يتطلب وسائل واجراءات لانعاشه.
لعل التحدي الاكبر الذي يواجه الحكومة هو تحقيق معدلات نمو قادرة على تعزيز عملية الاستقرار, وهذا لا يتم الى بما نسبته 6 بالمئة على اقل تقدير, الا ان الازمة وتداعياتها دفعت الخبراء الى تقليص توقعات نمو الاقتصاد الاردني خلال سنة 2009 الى ما نسبته 3.5 بالمئة, وهذا امر منطقي في ظل التراجع الحاد في ايرادات ضريبة المبيعات بنسبة 9 بالمئة خلال الشهرين الماضيين في حين انخفضت رسوم الاراضي لاكثر من 35 بالمئة لنفس الفترة.
هذه التحديات المالية تخلق اشكالية على راسم السياسة الاقتصادية فيما يتعلق بالوصول الى المؤشرات المالية المستهدفة في قانون الموازنة ومن اهمها العجز المالي البالغ 689 مليون دينار او ما نسبته 4.5 بالمئة من الناتج المحلي, رغم ارتفاع قيمة العجز المالي بالقيمة المطلقة الا ان هبوط الايرادات الضريبية قد يفاقم من هذا العجز الى فوق حاجز المليار دينار او ما نسبته 8 بالمئة من الناتج المحلي, وهو امر مقلق للغاية ان حدث لانه يعني مزيدا من المديونية التي قام الاردن بتسديد ملياري دولار منها العام الماضي باستخدام عوائد التخاصية, فاللجوء الى الاقتراض الخارجي سيساهم بإرجاع الدين العام الخارجي الى مستويات مقلقة ستولد ضغوطا على الاقتصاد, في حين ان اللجوء للاقتراض الداخلي سيزاحم القطاع الخاص على السيولة المحدودة لدى البنوك في وقت ترتفع اصلا شكواهم من عدم قدرتهم على الحصول على التمويل لاستمرار انشطتهم, ناهيك عن ان مستوى الدين الداخلي البالغ حوالي 4.869 مليار دينار وصل الى مستويات عالية وزيادتها عن هذا الحدي قد يزيد التحديات امام الخزينة التي تدفع سنويا 45 مليون دينار سنويا كفوائد واقساط للدين.
التعامل مع عجز الموازنة يجب ان يبقى ضمن سياسة ثابتة لأية حكومة, وان نعتبره خطا احمر لا يجوز التعامل معه على اعتبار انه أولوية ثانوية, فالتخلي عن العجز المستهدف يعني ببساطة التخلي عن مؤشرات مالية اخرى كافح الاردنيون بأموالهم وموجوداتهم للحد منها مثل المديونية.
هذا العام ستكون امام الحكومة جملة من الاستحقاقات الاقتصادية التي بحاجة الى اعادة تقييم ومراجعة حثيثة لعل اهمها سبل زيادة التحفيز الداخلي في الاقتصاد الذي يعاني من تباطؤ, طبعا هناك خطة تحفيز بقيمة 156 مليون دينار, الا ان مدى نجاعتها يعتمد اساسا على نوعية مشاريعها والقيمة المضافة التي ستولدها في حال تنفيذها والابتعاد عن التقليدية في طرح المشاريع التي عادة ما يلجأ اليها المسؤولون لترضية البعض مثل توزيع المشاريع جغرافيا بدلا من ان تكون الخطة مواجهة قطاعيا, والجميع يتذكر تجربة برنامج التحول الاقتصادي الذي أنفق 356 مليون دينار من دون الفائدة المستهدفة.
هناك عشرات الآلاف من الاردنيين بانتظار نتائج على ارض الواقع فيما يتعلق بمبادرة سكن كريم, ومع انخفاض تكاليف البناء ما زالت البنوك ترفض استكمال شروط الاقراض للمشروع لاسباب منطقية من وجهة نظرهم, وهذا يتطلب من الحكومة توفير مخصصات دعم للاقراض بضمان رسمي تساعد البنوك على التجاوب.
قضايا تسريح العمال ما زالت في بداياتها والظاهرة تدعو للقلق بسبب ما نشاهده من سلوكيات بعض المؤسسات سواء الرابحة أم الخاسرة, ناهيك عن الضبابية التي تسود المغتربين الاردنيين في الخارج وتوقعات بعودة الكثير منهم الى المملكة وهنا تحد آخر امام الحكومة التي تتطلع لتقليل معدلات البطالة التي وصلت الآن الى 21.7 بالمئة خلال سنة ,2008 والاجراء لا يبدو سهلا او متوفرا بالشكل المطلوب, فالاقتصاد يعاني من ضعف في الانتاج لدى قطاعاته الاساسية وبالتالي سيواجه الاقتصاد معضلتين الاولى تنصب في خلق فرص عمل جديدة للاردنيين الذي يتخرجون سنويا والبالغ عددهم اكثر من 80 ألف خريج في حين لا يستطيع الاقتصاد توفير سوى 56 ألف فرصة سنويا في ظل نمو يصل الى 6 بالمئة فكيف سيكون الوضع مع تراجع النمو الى 3.5 بالمئة ان حدث.
المعضلة الاخرى هي في كيفية التعامل مع عودة جزء من المغتربين, وهذا يتطلب دراسة مستفيضة عن واقعهم واستقطاب الكفاءات منهم ضمن برنامج اصلاح القطاع العام وتنمية مبادرات انتاجية خلاقة مثل تمويل المشاريع الصغيرة والاسراع في استحداث قانون عصري للضمان الاجتماعي يوفر تعويضات عادلة للعاطلين عن العمل.
استحداث سياسة تجارية جديدة تعتمد على اسواق غير تقليدية لمساعدة الصادرات الاردنية من اختراق أماكن جديدة لها وتنمية العلاقات مع العراق ستكون له آثار ايجابية كبيرة على الاقتصاد خاصة المصدرين.
صحيح ان هناك أزمة تلوح بالأفق وتداعياتها طالت قطاعات مهمة, الا ان الفرصة مواتية امام الحكومة لتعزيز برنامج للاصلاح الاقتصادي, فحالة الركود لن تستمر ولا بد ان نستعد لما بعدها, ولا يتم هذا الا بتطوير التشريعات الاقتصادية.0
salamah.darawi@gmail.com