طوال التأريخ، هناك الکثير من الاحداث و القضايا التي يمکن إستشفاف الکثير من الدروس و العبر منها، ولاسيما تلك المتعلقة بالشعوب و النظم الدکتاتورية، فهناك فترات تکون الشعوب فيها في حالة أشبه ماتکون بالسبات من حيث خضوعها للأنظمة الاستبدادية، ولکن هناك أيضا فترات تستعيد فيها الشعوب رباطة جأشها و تقف على قدميها لتتحدى أنظمتها القمعية و تجهز عليها لتجعلها عبرة للتأريخ.
التطور و التقدم الانساني و زيادة وعي الشعوب، جعلت من النظم الديکتاتورية حالة مرفوضة ولايمکن التعايش معها، خصوصا عندما تجعل هذه الانظمة شعوبها في خدمة مخططاتها و أهدافها الخاصة المتقاطعة مع مصالح شعوبها، ولاغرو من إن تآکل النظم الديکتاتورية و سيرها نحو الانقراض حتمية تأريخية و حضارية في نفس الوقت لايمکن أبدا الوقوف بوجهها، إذ إن هذه الانظمة صارت إستثناءا و صار إرادة الشعوب و حرياتها هي القاعدة.
صحيح أن هناك فترات أثناء نهضة و إنتفاضة الشعوب بوجه الانظمة القمعية، أن تتمکن الاخيرة بفعل نهجها و تعاملها الوحشي الدموي مع المنتفضين أن تخبو أو تهدأ الانتفاضة قليلا أو لفترة معينة، ولکنها سرعان ماتعود، خصوصا في هذا العصر الذي تم فيه إختصار المسافات و الزمن و صار العالم کله أشبه بالقرية فمن الصعب جدا أن يجبر شعب على البقاء خاضعا لنير الديکتاتورية کما في الحالة السورية و الحالة الايرانية، ولعل ماجرى و يجري في الانتفاضة البطلولية للشعب الايراني من أحداث و تطورات، تؤکد للعالم کله من إنه لايمکن أبدا لوي ذراع الشعوب، وإن نظاما إستبداديا فريدا من نوعه کنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية، يقف اليوم على برکان من السخط و الغضب والذي إنفجر بوجهه في أکثر من 130 مدينة، وإن تظاهره بأنه قد أخمد الانتفاضة أو سيطر عليها إنما هو من أضغاث أحلام، ذلك إن الشعب وبعد أن رفع و بإصرار شعار الموت للديکتاتور(أي المرشد الاعلى للنظام)، فإنه قد أعلن إستحالة إستمرار المعادلة السلبية القائمة بينه و بين النظام طوال 38 عاما، بل وإن دخول منظمة مجاهدي خلق الخصم و الغريم الاکبر للنظام کطرف أساسي في الانتفاضة و ترديد الشعب لشعاره المرکزي بفسقاط النظام، تأکيد على إن الامور باتت تسير بسياق مختلف تماما عن الحالات السابقة، إذ معروف عن منظمة مجاهدي خلق وعندما تدخل کطرف أساسي في هکذا حالات، فإنها لن يهدأ لها بال إلا بتحقيق الهدف و الغاية الاساسية لها بإسقاط النظام، خصوصا إذا ماکان هو الحل الوحيد لکافة الاوضاع السلبية التي يعاني منها الشعب.