هكذا خرجت موازنة 2018. مجلس السياسات الاقتصادية حدد التوجه، والحكومة قدمت مشروع موازنتها، ومجلس النواب وافق، ومن بعده وافق مجلس الاعيان.
لم تعد الموازنة صناعة حكومية خالصة، هي صناعة كل من شارك وكل من بارك . مجلس السياسات ، والحكومة ، والنواب بصفتهم التمثيلية ، وآخرهم الاعيان . هم جميعاً صناعها فلماذا الحكومة وحدها في دائرة السؤال ؟
الدولة مجتمعة هي من صنع الموازنة . كامل الطيف الرسمي كان حاضراً على الولادة وكامل طيف التمثيل الشعبي النيابي كان حاضراً هو الآخر . لا أحد يستطيع ان ينفي دوره أو يتبرأ من مسؤوليته .
تبرؤ طرف مشارك من مسؤوليته غير مقبول . وانخراطه في مسلسل نقد الموازنة ومجالس استغابتها نفاق خالص . فهل للتهرب من المسؤولية توصيف أقل من النفاق ؟
ينتهي فصل تبرؤ بعض صانعي الموازنة منها ، ويبدأ فصل آخر لا يقل شبهة عن سابقه . فللموازنة في الاردن طقوسها الخاصة بها تمتد حتى موسم الموازنة اللاحقة .
لا موضوعية النقد هو فصل الموازنة الثاني . بطله فصيلان ، بعض احزاب لديها بيانات ادانات جاهزة تنتظر مواعيد اصدارها ، وبعض اقتصاديين وناشطين لديهم اداناتهم الجاهزة ايضاً .
مشترك المتبرئين من المسؤولية ، وحاملي الادانات الجاهزة ، وشهود المناسبات واحد ، هو الشعبوية وتأكيد الوجود .
وكل يجيد التعليق على مشجب الحكومة . لا فرق عند من لا علم له حتى ببنود الموازنة ولا عند المدرك ان ليس بالإمكان احسن مما كان .
الموازنة الحالية والتي مضت والتي قبلها لم تكن المشكلة ، والموازنة القادمة وربما التي بعدها لن تحملا الحل . البدائل تتلاشى امام الموازنة . خطفتها الواحد تلو الآخر تراكمات سنيين طوال من نهج اداري واقتصادي غير مسؤول خُتم بأزمة اقليمية خانقه .
سؤال الموازنة ليس هو بسؤال اليوم ولا الامس القريب . منذ خمسة عقود ماذا فعلنا لسياحتنا ؟ وماذا قدمنا لقطاع النقل ؟ واين وصلنا في قطاع التعدين وصناعة الأسمدة ؟ وما هي نتائج استثمارات اموال صندوق الضمان ؟
مصائر مشاريع الدولة انتهت الى فشل . الملكية الاردنية ، ومصفاة البترول ، وشركة الاسمنت ، وشركة الفوسفات ، وشركة موارد ، وسكن كريم ، وصناديق تقاعد النقابات المهنية ، والمدينة الإعلامية ، وتلفزيون الغد .
لم تعد الموازنة زفة فقط . صارت أيضاً شركاً معظمنا يقع فيه . نكيل اللوم لأرقام العجز ، ونشير لإنفاق زائد وايرادات غير كافية ولجوء لجيوب المواطنين لكأن موازنة اليوم هي السبب وليست النتيجة ، ولكأن مؤشراتها المقلقة وليدة الساعة لم نكد نلحظها من قبل حين كانت اجهزة الدولة تغط في نومها .