مصالحنا الأردنية في السعودية
ياسين العودات
17-01-2018 08:29 PM
عمون - لما اشتد المرض على الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه ورأى ان الثورة العربية الكبرى قد تعرض مشروعها للطعن والخداع من قبل الحلفاء وكان أولاده قد حضروا اليه في المنفى في قبرص عام 1929 فأوصاهم ان لا يبتعدوا عن ابناء جلدتهم العرب وخصوصا آل سعود في نجد والحجاز ولم تكن المملكة العربية السعودية قد اعلنت بعد، وكتب الشريف طيب الله ثراه في وصيته يقول:
"اياكم يا اولادي من الوقوع في شرك الانجليز مرة اخرى، فانه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين عليكم بالاتفاق يا اولادي مع ابن سعود فانه خير لكم من الانجليز، أوليس هو عربي مثلكم دمه دمكم ولحمه لحمكم ولغته لغتكم، اني أؤثر ان يظل ابن سعود مسيطرا على الحجاز بل على البلاد العربية كلها أفضل من أن أرى الانجليز مسيطرين عليها".
من محاضرة للدكتور بكر المجالي ألقاها في بيروت، ومنه الى خبر آخر انه في احد مواسم الحج واثناء تفقده للحرم الشريف والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن كان الملك عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية يتعرف الى الوفود يسلم عليهم ويستمع لاحاديثهم ومن بين الوفود كان حجاج قبيلة الحويطات وحين صافحهم سأل من أي البلاد انتم؟ فقال احد كبار الوفد من قبيلة الحويطات من شرق الاردن، فجاء جوابه رحمه الله تقديرا واحتراما (انعم وأكرم) رددها عدة مرات، وتوسع في الترحيب والحديث والاطمئنان عليهم حتى لفت انظار الحجاج الآخرين ومن بمعيته ولما غادر حملهم السلام (مخصوص) للشيخ حمد بن جازي رحمه الله شيخ قبيلة الحويطات، ولكل من في طريقهم (على عادة العرب آنذاك) وللعشائر الاردنية قاطبة.
اردت من هذين - الخبرين - المرور الى هذا السجال – الذي يجري منذ فترة وبلغ ذروته مع توقيع الرئيس الأميركي ترمب بخصوص القدس وتداعياته السجال حول علاقة الاردنيين بالمملكة العربية السعودية، فقد ظهرت دعاوى وفتاوى سياسية ومقالات صحفية تغمز موقف المملكة العربية السعودية تجاه الاردن، وانطلقت الاتهامات في كل الاتجاهات بعضها بعلم، وبعضها الآخر دون علم او دراية ووعي، فوصل بعض الهجوم للسفير السعودي في عمان عندما اصدرت السفارة تعليمات للسعوديين المقيمين في الأردن توصي باحترام القوانين والانظمة في الاردن بعدم المشاركة في المسيرات التي تنص القوانين صراحة على منع غير الاردنيين المشاركة فيها، فاستغلها البعض لتوظيفها انها عدم انتصار للقدس، فلا حول ولا قوة الا بالله!!
تاريخياً.. يعد الاردن الاقرب الى المملكة العربية السعودية بالدلائل والقرائن ودون كلف او بروتوكول وحظيت المملكة بمكانة خاصة من اصحاب الجلالة الملوك في السعودية الشقيقة خلال العقود الماضية بلا استثناء. ففي كل الازمات التي تعرض لها الاردن كان الهاتف الاول يأتي من الرياض مطمئناً وحاملاً بشائر العون والمساعدة، ليس في الجانب المالي فقط على أهميته، فهناك قضايا سياسية كان رأي السعودية فيها عين الصواب.. ولو اتسع المجال لسردنا العشرات والعشرات من النصائح والمواقف التي صرفت عنّا كثيراً من الازمات والمصائب والمؤامرات ايضا.
اليوم يبرز تيار يريد ان يجرف الرأي العام (توجهاته الوطنية والقومية والاسلامية) نحو مفاهيم مقلوبة وربما خبيثة في آن معاً يغلفها بأفكار تستغل أوضاع المواطنين المعيشية الصعبة وتحولات الدولة الثقيلة في الجوانب الاقتصادية تحت شعار حماية مصالحنا أولى من المبادئ، في اشارة لبدء تقبل القطيعة على شكل جرعات متواصلة مع الشقيقة السعودية ويغذي ذلك سيل من الحرب الاعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية والمقالات الصحفية - التي تشير صراحة وعلانية - ملوحين بالورقة الايرانية ومفادها باننا سنجد "ضالتنا" في ايران بما ينطوي عليه هذا الرأي من مجازفة كبيرة غريبة تعاكس الذات وتنقلب على مقوماتنا الشخصية والوطنية وضرب (لمصالحنا) في العمق، متجاهلين التاريخ والجغرافيا (متحللين) من التكوين التاريخي للأمة العربية، ومسيرة الاردن الشاقة والطويلة في البناء والنمو السياسي ومتناسين بقصد ما يحدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن على مدى السنوات الماضية من الفظائع والمذابح وحرب الابادة التي تعرض لها العرب السنة تحديدا حد التلاشي في سوريا والعراق.
ينطلق هذا التيار من قضيتين تؤرقان الاردن هما الوضع المالي الصعب ومواجهة اسرائيل، باعتبار ايران رافعة شعار الموت لاسرائيل!! وتملك قدرات مالية واقتصادية كبيرة مع قوة مهيمنة على العراق وسوريا ولبنان ثم توسع الامر لعقد مقارنة في امتيازات التحول نحو ايران..
ويتغذى ذلك من نفر صحفي يتكسب على حساب الاردن كعادته، ساعده في ذلك بعض التصريحات المؤسفة لمسؤولين أردنيين ونواب على مدى سنوات ماضية تحاول تبرير الارتفاع المستمر في تحصيل الضرائب والرسوم وزيادة اسعار المحروقات والسلع المعيشية للمواطنين التي تتوج اليوم برفع سعر الخبز، تحاول التبرير بانقطاع الدعم العربي للاردن مما خلق حالة سلبية لدى الرأي العام بان السعودية غير مهتمة بنا، مع ان الدعم المالي السعودي لم يتوقف نهائيا، والمشاريع المختلفة مستمرة اضافة لمليون مواطن اردني يقيمون في السعودية في مختلف المواقف والجوانب الاقتصادية عدا أن الوفود الرسمية والمشاورات في كل الاتجاهات مستمرة وفي ازدياد توّجها تمارين عسكرية مشتركة خلال الفترة الماضية في البلدين الشقيقين، وقبل يومين كرّم رئيس هيئة الاركان المشتركة الملحق العسكري السعودي في عمان لجهوده في تدعيم التعاون العسكري المشترك.
سيل من الشائعات لم يتوقف طال رموزا كريمة ويردد دون تمحيص ما تحمله الدعاية الاسرائيلية والايرانية تجاه اجراءات التطوير والتحديث التي تقوم بها الشقيقة السعودية على مختلف الصعد ويقودها بتوجيه من جلالة خادم الحرمين الشريفين يقودها الامير الشاب ولي العهد الأمين الامير محمد بن سلمان نجم هذا الزمان، الذي سيكون لنا عنه حديث مطول لا أحلى ولا أروع خلال الايام القادمة.
سيكون موقف بعضهم رداً علينا بأننا لا نزال نتحدث بثقافة القبيلة وعقلية الثأر، فاليوم التكتلات والأحلاف تشكلها المصالح وتديرها حوادث الزمان، فلكل زمان تحالفاته، وللأسف فهذا طرح لا يصمد امام البحث والنقاش ولا يتجاوز ترديد كلامٍ بلا معنى أو بعض رغاء وزبد لا ينفع الناس ولا يمكث في الأرض.
الأمنية التي يريدها الجميع ان يأخذ الاعلام دوراً أوسع في كشف الحقائق وان يغادر السلبية والركود التي يعيشها مما ترك فراغا كبيرا تحرك فيه العابثون لخلق حالة غير سليمة بحق الامة شعوبها والدول.
يقول الله سبحانه وتعالى: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً" صدق الله العظيم.
واختم ان علينا في الاردن تذكر قول الشاعر العربي الاصيل:
أخاك أخاك فان من من لا أخا له
كساعٍ الى الهيجاء بغير سلاح
ymtodat@gmail.com