الإعلام وسيلة لتحرير وعي المواطن فقط !
سليمان الطعاني
17-01-2018 12:37 PM
في ظل التدفق المعلوماتي الهائل من الفضائيّات والإنترنت والصحف وأدوات الاتصال بات التضليل الإعلامي مسألة احترافية يمارسه الإعلام حالياً كحرب نفسية تشنّ على المواطن لإحداث أكبر قدر من التأثير السلبي عنده. مسألة احترافية يتصدّى لها محترفون في قلب الحقائق وتغيير القناعات ونشر الأكاذيب والانتقائية المتحيزة للمعلومة، صناعة جديدة تستند الى تقنيات فن الإقناع والتأثير لتوجيه الناس الى الإيمان بفكرة معينة تخدم رعاة التضليل وسياساتهم تغليب مصالح النخبة وتطويع المواطن وخلق مواطن سلبي غير قادر على الفعل والمبادرة.
حينما يتحول الأبيض إلى رمادي، ويتحول الرمادي إلى أسود، وحينما يتحول الحق إلى شك، ويتحول الشك إلى زور، ويتحول الزور إلى بهتان فتّش عن الإعلام... الإعلام الذي بات يُطلق عليه الكيان الأقوى، لما له من قدرة على جعل المذنب بريئاً وجعل البريء مذنباً، ولما له من قدرة على التهويل والتضخيم ولفت الأنظار وقلب الصورة والإثارة والايهام والتدليس وهذه كلها قوى تتحكم في عقول متلقي الإعلام.
في زمن التدفق المعلوماتي الهائل، أصبح التلاعب بالمعلومة وتزييف الحقائق أسهل من ذي قبل، خاصة مع ما توفره التقنيات الحديثة التي ساعدت في فبركة الأخبار والصور، ونشرها على نطاق واسع، كما أصبحت عملية تحديد أولويات المتلقين عملية سهلة كذلك، عبر ترتيب الأخبار والتركيز على قضية بعينها، لتصبح هي شاغلة الرأي العام، الأخبار والصور أصبحت تُصنّع لتتلاءم مضموناً وصياغةً مع الأجندة الخاصة لمشغّلي الماكنة الإعلامية والمسيطرين عليها... كما أن أسلوب الإغراق والضخ المتواصل للمعلومات والأخبار والصور، جعل من الصعب على الكثيرين التدقيق في الخبر ومصدره وغايته ورسالته...
ولأننا في عصر الإعلام والتأثير والصورة وفاعليتها فإن الحاجة أصبحت ماسّة إلى تربية إعلامية لتحصين الأجيال من الرسائل الهائلة الهادفة إلى تضليل الوعي، كما نحتاج إلى تمكين الأجيال الصاعدة من القدرة على الاختيار السديد للرسالة الإعلامية النافعة وكشف طريقة التلاعب بالعقول وتزييف الحقائق، حيث أنه لا يجوز أن تتحول وسائل الإعلام إلى طبول وأبواق في زفّة النفاق وإشغال الناس عن قضاياهم الحقيقية بالحديث عن عدو وهمي أو سرد بعض المنجزات والمبالغة فيها والامساك بصغار السمك والتغاضي عن الحيتان الكبيرة خدمة لمصالح واجندات خاصة .
الإعلام لا يكون إلا أحد أمرين: إما أن يكون وسيلة لتحرير وعي المواطنين وتقديم الحقائق لهم كما هي، وتعرية واقع الظلم والاستبداد وكشف ملفات الفساد والتشهير بالفاسدين فقط بعيداً عن التطبيل والتصفيق، أو أن يكون وسيلة تدجين وتعتيم للحقائق ووسيلة للتلاعب بالعقول وتزييف وعي الناس بشعارات جوفاء لا صحة لها على أرض الواقع، وإشغالهم عن همومهم الحقيقية وقضاياهم المصيرية بأنواع من التسليات والترفيهات وصناعة الاهتمامات التافهة وتشتيت العقل في عمليات خداع ومبالغات وتضخيم لقضايا ثانوية بعيدة عن الواقع.