مباريات الوحدات والفيصلي .. اجيال من التعصب الاقليمي
مالك نصراوين
07-03-2009 03:05 AM
بعد ان قرأت نبأ "عمون" ، حول الشغب الذي جرى في اعقاب مباراة الفيصلي والوحدات الاخيرة ،عادت بي الذاكرة الى اوائل الثمانينات من القرن الماضي ، عندما سكنت في احد جبال عمان القديمة لعدة اشهر ، اتيحت لي الفرصة حلالها لاول مرة ، ان اتعرف على حقيقة المشاعر المتبادلة ، بين جمهوري فريقي الوحدات والفيصلي او الوحدات والرمثا ، لا اذكر ، حيث كان فريق الرمثا سابقا هو المنافس الرئيسي لفريق الوحدات ، من خلال ملاحظاتي لحماس صغار الشباب في الحي لكلا الفربقين ، وتعرفت على مسببات الحماس لدى كل فئة ، وخلصت الى نتيجة مؤكدة ، وهي ان لكل فريق استقطاباته الاقليمية ، ولا شيء غير ذلك ، وان حاول احدهم التمويه بانه يدعم ذلك الفريق بسبب لعبه المميز ، الا ان الامتعاض الذي يبديه عندما يفوز الفريق الاخر ، وبعد ان يبلي بلاءا حسنا ، يكشف حقيقة اصطفافه .
خلال تلك الفترة التي اعقبت تخرجي من جامعة دمشق ، تعلمت كراهية كرة القدم ، وكراهية وجود فريقين رياضين ، يشجعهما جمهورهما على اساس اقليمي ، وليس على اساس الابداع والعروض الرياضية الجميلة ، وكنت لذلك اكره مجرد النظر الى الصفحات الرياضية في الصحف اليومية ، واتجاوزها الى صفحات اخرى ، كما كرهت اية مناقشات رياضية ولم اكن اتدخل فيها ، وما زلت اعيش هذه " العقدة النفسية " حتى الان .
كراهيتي هذه تعمقت اكثر ، بعد كل مباراة للفريقين ، وبعد حوادث الشغب التي كنا نسمع عنها ، لانني لم ولن احضر اي مباراة من هذا النوع ، خاصة ان الكثير من حضورها هم من الشباب ، المعبئين نفسيا بالكراهية للطرف الاخر ، وليسوا بالمستوى اللائق من الثقافة والوعي ، ولا ادل على ذلك من حوادث الشغب الشبه دائمة ، التي تحدث عندما تنتهي المباراة بفوز طرف ما ، وهذ ايضا يدل على مستوى عال من "الروح الرياضية" ، ولن انسى حادثة اثارت تساؤلاتي اولا ، ثم قلقي واشمئزازي ثانيا ، وهي تؤكد على مستوى بعض هولاء المشجعين ، لقد كانت السيارات المحملة بالشباب ، والمنطلقة الى ستاد عمان ، تتوقف امام احدى محلات المشروبات الكحولية ، فيخرج الجميع كل منهم يحمل قنينة ، في طريقه الى المباراة ، وللمرء ان يتخيل ماذا سيجري اثناء وبعد المبارة ، مع هذه الشحنة الاضافية من الكحول ، المترافقة مع الشحن الاقليمي ، وكيف يكون الوضع مع وجود طرف ثاني ، قد يكون بعض فئاته بنفس مواصفات وممارسات الفريق الاول ؟
ان كان من ايجابيات لهذه الاحداث ، فهي اشارتها الى حقيقة تعبئة نفسية اقليمية ، تظهر عمليا اثناء المباريات ، وتؤشر الى خلل حقيقي قائم لا بد من معالجته ، ومن المعيب ان يستمرهذا الخلل حتى اليوم ، تعاقبت على رعايته اجيال من المشجعين ، فقبل حوالي ثلاثون عاما ، كانت اعمار هولاء الشباب بالعشرينات والثلاثينات والاربعينات ، وهم اليوم بالخمسينات والستينات والسبعينات ، وبالتاكيد انهم قد سلموا هذه الراية غير المشرفة ، الى اجيال جديدة .
لا ادعي ادراكي للحلول ، لكنني اذكر ان احداها كان بتغيير اسم احد الفريقين ، لابعاد شبح الاقليمية ، وكانت فترة تغيير الاسم كانها احتلال بغيض ، سرعان ما ناضل "المناضلون" لاعادة الاسم القديم ، والتحرر من هذا "الاحتلال" الذي حاول طمس معالمنا الوطنية والقومية .
القضية اولا اخلاقية ، لان للرياضة اصولها واطرها الاخلاقية ، والحل لا ادعيه ، لكنه ياتي اولا من القائمين على كلا الفريقين ، ومن العقلاء في شعبنا وهم كثر ، ولا يجب ان يترك الحبل على الغارب لمثل هذه الزعرنات .
m_nasrawin@yahoo.com