الإصلاح الإداري يبدأ بتأهيل القادة
د.نبيل الشريف
17-01-2018 01:29 AM
كانت العناصر البشرية المؤهلة من أهم نقاط القوة لدى الإدارة الأردنية على مدار العقود الماضية، وكان للأردن فضل لاينكره أحد في تدريب وتأهيل الكوادر الإدارية في عدد كبير من الدول العربية في مختلف المجالات. ومازالت الكفاءات الأردنية المؤهلة والمدربة موجودة بقوة في مواقع قيادية في العديد من الدول الشقيقة والصديقة.
ولكن هذا الأمر بدأ يشهد تحولات جذرية في السنوات الأخيرة، وذلك يعود في المقام الأول إلى الإهتمام الكبير الذي بدأت العديد من الدول تبديه في مجال تطوير واقعها التعليمي وإعداد طواقمها البشرية المؤهلة. يضاف إلى هذا أن الواقع الإداري في الأردن قد أصابه الكثير من الترهل والتراجع في السنوات الماضية.
وقد أحسن رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي عندما أعلن منذ أيام عن نية الحكومة إنشاء معهد لتدريب وتأهيل القادة لمعالجة الخلل والتردي الذي أصاب القطاع العام. ولايحتاج المرء إلى دليل حتى يقيم الحجة على حقيقية أننا نعاني فعلا من واقع إداري متعثر في مؤسساتنا العامة، فالبيروقراطية والترهل أصبحا متجذرين في كثير من هذه المؤسسات مما يؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنين وإدخال الرعب إلى قلوب المستثمرين والعاملين في القطاعات ذات التماس المباشر بالمؤسسات العامة كقطاعات الصناعة والتجارة والزراعة. والنتيجة أن الوطن بأسره يدفع ثمنا باهظا لهذا الخلل الذي أصاب الإدارة الأردنية في السنوات الماضية.
إننا في حاجة ماسة لإعادة الإعتبار لمفهوم التدريب والتأهيل، إبتداء من أعلى سلم الهرم في المؤسسات العامة وحتى المواقع القيادية الأولية، ولو أخذنا المهارات الإعلامية نموذجا على مانقول، فكم قيادي مرموق في مؤسساتنا العامة لديه القدرة الحقيقية والمهارة الإحترافية على الوقوف أمام الكاميرا وإجراء مقابلة تلفزيونية لاتعتريها أخطاء جوهرية؟ وهل يولد الإنسان وهو مزود بهذه المهارات، أم أنه يحصل عليها من خلال التدريب والتأهيل؟
أما السؤال الجوهري المرتبط بهذا الأمر فهو: هل يٌقبل شاغلو المواقع القيادية على التدريب بإرتياح ودون تشنج أم أنهم يعتبرون أنفسهم على درجة من الكمال معتقدين أنهم موهوبون بالفطرة وليسوا بحاجة لتدريب أو تأهيل من أحد؟
في المقابل، نجد أن الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين في الولايات المتحدة والعديد من الدول المتقدمة يخضعون لدورات تدريبية مكثفة في فنون الإدارة والتسويق والتعامل مع وسائل الإعلام ومخاطبة الجماهير قبل أن يستلموا مناصبهم الإدارية الرفيعة، ولم يقل أحد من هؤلاء أن التدريب يحط من قدرهم أو ينقص من مكانتهم في المجتمع؟
إن توجه الحكومة لإنشاء معهد لتدريب القادة هو خطوة في الإتجاه الصحيح، علها تعيد بعضا من الألق المفقود في القطاع العام وتمكن هذا القطاع من مواصلة دوره الطليعي.
إننا نواجه مشكلة حقيقية على صعيد النخبة السياسية والقيادية، ولم يعد كثير من أعضاء هذه النخبة مواكبين للمتغيرات التي عصفت بالمنطقة والعالم في السنوات الماضية، والدليل على ذلك أن الأحزاب الأردنية لم تجدد نفسها أو خطابها طوال العقود الماضية بإستثناء المحاولتين الواعدتين اللتين أعلن عنهما أخيراً وهما حزب الشراكة والإنقاذ الذي جاء ببرنامج جديد وطرح مغاير لما كان مألوفا والتحالف المدني الذي يقدم طرحا متكاملا لم نعرفة الساحة السياسية الأردنية من قبل.
كما شكلت إنتخابات اللامركزية ومجالس المحافظات محاولة صادقة لخلق كوادر قيادية جديدة على مستوى المحافظات، إذ أن ممارسة الإنتخابات المحلية ومناقشة القضايا من خلال المجالس المنتخبة على المستوى المحلي يشكل حواضن جديدة للعناصر القيادية والدماء الشابة من شأنها أن ترفد مواقع صنع القرار في السنوات القادمة بعناصر مؤهلة ومدربة وذات خبرة وتجربة في الميدان، بحيث تتعدد الخيارات والبدائل، فلا يعتقد النواب الذين خسروا الإنتخابات مثلا أن الدنيا توقفت بعدهم وأن المجتمع لايستقيم إلا إذا عادوا هم أنفسهم إلى مواقعهم مرة أخرى من خلال تذكيره صباح مساء أنهم موجودون من خلال أطر سياسية عقيمة.
إن إطلاق معهد تدريب القادة الذي أعلن عنه رئيس الوزراء ونجاح تجربة مجالس المحافظات يرسلان رسالة واضحة مفادها أن الأردن كان وسيبقى مصنعا للكوادر القيادية المؤهلة والمدرب.
الرأي