كان الفن زمان مختلفا جدا , وكنا نحترمه ونقدر الموهبة , اليوم تغير كل شيء , مازلت أذكر فهد بلان حين يظهر على شاشة التلفاز : صوت جهور , شخصية عظيمة , (كرش) أيضا ..حين كان التلفاز يبث أغنية : (ع البال بعدك يا جبل حوران) ,تشعر أنه عاد للتو من (صبة) أو أنه مثلا قام بذبح عجل وسلخه بعد ذلك اغتسل وصعد المسرح , كنت تشعر أن عازف القانون يتابع النوتة بحذر شديد لأنه في حال ارتكب أي خطأ في العزف , سيقوم فهد بلان (بفشخه ) ...رجال بمعنى الكلمة , أشاوس ...أحيانا كنت أشعر أنه بعد المقطع الرابع من أغنية : (لاركب حدك يا الماتور) سيقوم بلف سيجارة على المسرح من أجل تدخينها .
ليس فهد بلان وحده , شفيق جلال ..هل تعرفونه ؟ صاحب أغنية (أمونة بعتلها جواب ) ..كانت لديه قبضة يد ضخمة , وحين يصدح بالمقطع التالي : ( إن شالله ما رديت علي يا أمونه) ..ينتابك أحساس للحظة أن الرجل يقوم بتركيب عجل (قلاب) ..
حتى محمد غريب , حين كان يغني على شاشة التلفاز : (قلبي معك مرهون يا ناكرة خيري ..لأجل صرت مجنون عينك على غيري) كنت تشعر لفرط الأداء الرجولي في الأغنية , أن محمد غريب (بتحلف ) للمصور الذي يقف خلف الكاميرا , وكنا نحترم هذا الفنان جدا .
الفن في زمننا كان مرتبطا بالرجولة , لم اشاهد فنانا يمارس (المياصة) على الشاشة أبدا , لم اشاهد مثلا : فنانا أردنيا يرتدي قميصا (كشكش) او إسوارة في اليد , أو يقوم بحركات (طعوجة ) على المسرح ..أتذكر أني حضرت (هوشة) لأحد الفنانين الأردنيين في منتصف الثمانينيات , وعلى موقف سرفيس المحطة , وقد أعجبتني شراسته ..استعمل يومها (مفك مصلب) .
اليوم من المستحيل أن تشاهد فضائية عربية وتجد فيها فنانا لايضع مساحيق أو (بودرة) ..حتى الكلام اصبح سخيفا , هل يوجد فنان محترم بالمعنى الحقيقي للكلمة يقول لحبيبته : (روحي جربي غيري)؟
أمس سمعت أغنية بهذا المعنى لأحدهم , كان كلامه سخيفا واللحن كان أسخف
سمعت أيضا أغنية تقول : (ماخرطت مشطي) ..ماذا يقصد بهذه الجملة ؟ هل يقصد أن الحبيبة (مقملة) ..من أين يأتون بهذا الكلام ؟
منذ عامين والراديو معطل في سيارتي , ويسألني رفاقي لماذا لا تصلحه ...فأجيبهم : يكفيني أن أستمع لصوت قلبي , فما عاد هنالك من شيء يستحق أن تستمع له ...أكثر من قلبك .
الرأي
الرد على تعليق