شروط التغيير (التحالف المدني) أنموذجاً
د. محمد العايدي
16-01-2018 10:48 PM
لا أحد ينكر أننا بتنا اليوم أكثر حاجة مما مضى إلى التغيير والإيمان به في ظل الظروف التي تحيط بأردننا الحبيب من الداخل والخارج وإن كان من المفروض أن يكون التغيير المنشود والذي كان ينادى به جلالة الملك منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها سلطاته الدستورية وعلى كل المستويات حتى لا نصل إلى هذه الحالة الحرجة اليوم التي لا نحسد عليها من زيادة الاعباء على المستويين الرسمي والشعبي وكل ذلك يدلل على الاخفاقات التي وقعت للحكومات السابقة وانها لم تكن على مستوى طموحات شعوبها، وإلى اليوم مازال الخوف غير المبرر من المضي قدماً نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، وإن كنا في الوقت نفسه لا ننكر أن تغيراً حصل في السنوات السابقة إلا أنه تغيير لا يرقى إلى حجم المسؤوليات والتحديات التي تواجهنا .
فالإيمان بالتغيير هو مطلب ملكي وشعبي وهو هاجس الجميع، ولكن لا نقصد بالتغيير هو مجرد الانتقال من حالة إلى حالة أخرى مشابه، بل الهدف منه هو الانتقال والوصول إلى ما هو أفضل وأكمل بتحقيق إرادة الشعوب، فالتغيير ليس غاية مقصودة في ذاته، فعلى دعاة التغيير اليوم أن يدركوا أن ما عندهم أفضل مما نحن عليه، ويحقق إرادة الشعوب، وليس تغييراً شكلياً يستنزف الجهود والعقول والأوقات، ويدخلنا في جدلية نحن في غنى عنها، بل ويعيق مطالب التغيير المنشودة، فليس الانقلاب على الموجود دائماً يحقق الأفضل.
ولذلك ومع ارتفاع الأصوات التي تنادي بالتغيير، ومنها المطالبة (بالدولة المدنية) كشكل من أشكال التغيير لا بد أولاً من شروط يتوافق عليها الجميع من أجل أن ننتقل من حالة إلى حالة أفضل مرضية عند الأغلبية، لأننا في دولة ديمقراطية تؤمن باحترام رأي الأغلبية وإرادة الشعوب في التقدم والتطور، ومن شروط التغيير:
أولاً: أن لا يكون التغيير محاكاة للنموذج الغربي لأن لكل شعب إرادته التي تستمد من هويته ومنظومة مبادئه التي يؤمن بها، فأي تغيير أو برنامج أو حزب يمس هذه الهوية والثوابت هو مرفوض، وهذا لا يعني أن نرفض كل ما هو غربي، بل نتعاطى معه بالقدر الذي لا يمحو هويتنا ومبادئنا وثوابتنا، وهذا لا يمنع أن يكون لنا نموذجنا الخاص في التغيير، وهذا كما حصل في اليابان وغيرها من الدول المتقدمة حافظت على هويتها وأعطت نموذجاً فريداً في التقدم والازدهار.
ثانياً: نتطلع إلى الأطروحات الموضوعية الواقعية لا المثالية التي تحمل برنامجاً شاملاً على نحو جذري استبدالي، وليس اصلاحياً لأن كلّ فكر استبدالي جذري هو اغتصاب للحقيقة والتاريخ معاً.
وهنا أوجه نداءً إلى بعض الأحزاب الشمولية والمثالية والتي تؤمن بتغيير المجتمع برمته، والخروج على ثوابته مثال (التحالف المدني) اليوم أنكم بهذا الادعاء تتركون وراءكم قطاعات قد تكون هي الأغلبية مهمشة لم يلحقها التغيير، كما يؤدي إلى توسيع الهوة بين الطبقات، وهذا ثمن هذه الشعارات الضخمة التي تنبع من تقديس الذوات وإنكار كل ما هو مقدس في نفس الوقت، كما أنه لا ينبغي للقضايا الكبرى أن تبتلع القضايا الصغرى.
ونقد مفهوم التغيير الشامل يؤدي إلى تغيير مفهوم العمل السياسي سعياً لابتكار ممارسات جديدة، وبالتحديد نقد مفهوم الحزب واعادة النظر في دور التنظيمات الشمولية التي تحمل عناوين ضخمة أو تشتغل بقضايا كبرى يؤدي استعمالها الى سحق تفاصيل الحياة والعيش.
ثالثاً: الإيمان بالتغيير المنهجي هو إيمان بمشروع استراتيجي دائم يؤسس لانفتاح دائم، وليس أنموذجاً يختزل عملية التقدم والتطور، وعليه لا يجوز اختطاف هذا المشروع الاستراتيجي من قبل حزب أو مؤسسة واعتباره مرجعية لها، وكأنه ليس مطلبا شعبياً وهذه هي الأصولية اللبرالية إن جاز التعبير، صحيح أن (التحالف المدني) هنا ليس لاهوتياً في أصله ولكنه كذلك في فصله، أي أن أصحابها مارسوا دعواتهم وتعاملوا مع أفكارهم بطريقة علوية قدسية كما هو الحال عند بعض دعاة السلفية اليوم، اذن يمكن أن نمارس الاستبداد باسم المبادئ السامية والقضايا المقدسة، وعليه فلا يجوز اختطاف المبادئ السامية كالحرية والمساواة والعدالة أو التقدمية أو حتى الإسلام لجهة أو جماعة أو حزب ثم نمارس الاستبداد من خلاله بعمل تحالفات تقصى الآخر، وكأنه مطلب لها دون غيرها.
كما أن التغيير والتطوير على كل المستويات سواء في الدولة أو الحزب أو الجماعة ليس هو مكسب نهائي وطور اللاعودة وإنما هناك إمكانية دائماً في العقلية المنفتحة للتراجع والنكوص إذا استدعى الأمر.
رابعاً: التغيير ليس معناه الانقطاع عن الماضي ولا يتوهم دعاة التحالف المدني اليوم أن بمقدورهم القفز فوق كل ما هو موروث فهذا مخالف للتراكمية العلمية التي هي سنة كونية من جهة، كما أنه مخالف لمفهوم التواصل المعرفي بين الشعوب الذي هو مطلب تقدمي حضاري، فالحقيقة أن وهم الانقطاع هو من أشد الأوهام تضليلاً فلا يمكن للإنسان أن ينفصل عن لغته وذاكرته وتراثه وانتماءاته فضلاً عن جراحاته كل هذا لا يمكن تصفيته والتحلل منه بدعوى التحالف المدني أو غيره من العبارات والمصطلحات، بل لابد من إعادة صياغة الماضي والموروث ليكون أكثر تأثيراً ومصداقية وتلاؤماً في صناعة المدنية أو الحاضر والمستقبل، فليس كل ماضٍ مبغوض ولا كل حاضر مقبول ومحبوب، وليس دعاة الديمقراطية اليوم أكثر ديمقراطية من الاثنين القدامى، ولا دعاة العقلية أكثر عقلية من أرسطو والفارابي، ولا دعاة العلمانية أكثر علمانية من كانط، ولا دعاة اللبرالية اكثر لبرالية من فولتير، إننا بحاجة اليوم لأن نشتغل على ذواتنا أكثر لكي نكون أكثر عقلانية وديمقراطية ومدنية... وإلا فإن هذه المبادئ ستنقلب الى اضداد اذا ابتذلت بسبب سوء استخدامها من بعض لاعبي السياسة اليوم.