الأردن دوره عظيم ولكنه ليس دولة عظمى .. وعن خطاب جلالة الملك
اللواء المتقاعد مروان العمد
16-01-2018 12:56 PM
منذ ان أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عن اعترافه بالقدس عاصمه لإسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها والحديث يكثر ويتشعب عن الموقف الأردني وما يجب ان يكون عليه والجميع يقدم الوصفات الجاهزة من عالم الخيال والجميع يقدم النصح و الاقتراحات ولكنها جميعها خطابات لا تحسب النتائج ولا تحسن التوقعات .
قبل ايّام كنت في جلسه حوارية نظمتها منصة تقدّم حول القدس لضيفين احدهما مسؤول من السلطة الفلسطينية والآخر باحث في الدراسات المستقبلية وكان يحاورهم الاستاذ سائد كراجه. وفِي دور المناقشة وقف أحد الحضور وتحدث وقال صحيح ان الاْردن وقف مواقف عظيمه لكن كان بإمكان الاْردن ان يستعمل اسلحه أخرى وذكر عدد منها سآتي على ذكرها لاحقاً الا انه قصر في فعل ذلك. وقد رد عليه المحاور سائد كراجه بأن الاْردن قام بدور عظيم ولكن الاْردن ليس دوله عظمى ومنه أخذت عنوان هذه المقالة ولكن مع بعض التفاصيل مروراً على ما جاء على لسان جلاله الملك المعظم في اجتماعه مع رئيس وبعض أعضاء مجلس النواب وفِي لقائه مع بعض المتقاعدين العسكريين في الرمثا وحتى يتم ادراك ما اهدف اليه في مقالي فلا بد من متابعته للنهاية .
بداية ليس بخافٍ ان الأردن كانت تربطه علاقات وثيقه مع الولايات المتحدة الأمريكية وبينهما مصالح سياسيه واقتصادية وان الاْردن شريك معها في التحالف الدولي ضد الاٍرهاب الذي تقوده . كما انها من اكثر الدول التي تقدم مساعدات للأردن .
كما انه ليس بخافٍ انه تربط الاْردن بالكيان الصهيوني اتفاقيه سلام دوليه يدعمها العالم اجمع تقريباً وهذه الاتفاقية وبالرغم من حاله الفتور بين الطرفين وما حصل بينهما من مناكفات سياسيه وخلافات وما قام به هذا الكيان من التفاف على الرعاية الهاشمية في القدس وما حدث في السفارة الصهيونية في عمان ، الا ان الاتفاقية تبقى قائمه .
وصحيح ان الاْردن قد ارتبط بعلاقات وثيقه مع دول الخليج العربي والذي قدم للأردن مساعدات ماليه لا يمكن إنكارها رغم توقفها حالياً ، ورغم ما اعتور هذه العلاقات من فتور بعد ان تغيرت أولوياتهم ومصالحهم الا انه تبقي لهذه العلاقات خصوصيتها وظروفها .
ولكن وبعد قضيه السفارة والقدس أخذت تنطلق أصوات تطالب بتحديد علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية واتخاذ عقوبات اقتصاديه وسياسيه بحقها والغاء اتفاقيه الغاز مع الشركة الأمريكية إنيرجي وعدم الموافقة على زياره نائب الرئيس الامريكي مايك بنس للأردن ودون ان يوضح اصحاب هذه الاقتراحات عن مدى قدره الاْردن لاتخاذ مثل هذه القرارات منفرداً في مواجهه الولايات المتحدة الأمريكية .
وفي مواجه العدو الصهيوني فقد انطلقت أصوات تطالب بإلغاء اتفاقيه وادي عربه وإيقاف المفاوضات حول قناه البحرين واستدعاء السفير الأردني هناك من غير ان تتفضل علينا هذه الأصوات بتبيان كيف يمكن ان نفعل ذلك ودون احتساب الخسائر والأرباح الناتجة عن مثل هذا القرار . صحيح اننا نتمنى لو لم نكن قد وقعنا على مثل هذه الاتفاقية مع العدو الصهيوني الا انه يجب التسليم بأنه قد تم التوقيع عليها، وان إلغاء هذه الاتفاقية سوف يثير علينا الكثير من دول العالم ومنها الكثير من الدول الداعمة والمساندة لنا لأن دعمها ومساندتها لنا لا يعني انها على عداء مع الدولة الصهيونية او انها سوف تدعم أي محاوله للبغاء هذه الاتفاقية. كما ان إلغاء هذه الاتفاقية يعني العودة لحاله الحرب بيننا، فهل نحن في أحسن حال لمواجهه هذا الاحتمال؟ كما ان الاْردن طوال السنوات السابقة كان الجسر الذي يوصل المساعدات الغذائية والدوائية والإنسانية للأهل في الارض المحتلة من خلال القوافل الهاشمية، فهل نحن على استعداد للمغامرة بأغلاق هذا المنفذ؟ بل على الأصح هل الأهل في المحتل من فلسطين قادرين على مواجهه هذا الاحتمال؟ كما ان الاْردن كان قد نجح وبفضل هذه المعاهدة في التخفيف على الأهل هناك في كثير من الحالات والازمات فهل سوف يكون الاْردن قادراً على تقديم مثل هذه الخدمات في حال قمنا بإلغاء المعاهدة؟ بل هل سوف تسمح دوله الصهاينة بإدخال المستشفيات الطبية الأردنية الى الضفة الغربية وقطاع غزه ومعها طواقم التخصصات الطبية المختلفة؟ ويضاف الى ذلك فأنه ما مصير حوالي مائه الف مواطن يحملون بطاقات جسور صفراء وجوازات سفر اردنيه دائمه وأرقام وطنيه ويقيمون في المحتل من فلسطين هل سوف تجعل دولة الصهاينة إقامتهم سهله هناك وهم بالنسبة لها أصبحوا رعايا دوله عدوه وفِي حاله حرب معها؟ يضاف الى ذلك مئات آلاف المواطنين الأردنيين الذين يحملون بطاقات جسور صفراء وجنسيه اردنيه ومقيمين في الاْردن ومختلف دول العالم ولهم اقارب ومصالح وأملاك في الاراضي المحتلة وهم بحاجه لتفقدها او زياره أقاربهم هناك هل سوف تمكنهم السلطات الصهيونية من فعل ذلك ؟ . إذاً من الذي سوف يخسر اكثر من وراء إلغاء هذه المعاهدة البغيضة على قلوبنا ؟ أليس هذا العدو هو اكبر الرابحين والذي يعيد له مثل هذا الفعل أمل تحقيق حلمه بأن دولته شرقي النهر وغربيه .
لقد جعل التعنت الصهيوني من هذه المعاهدة عباره عن مراسم رسميه اكثر منها علاقات حسن جوار ولم تحقق هذه المعاهد أي استجابة او موافقه من الناحية الشعبية ولكننا لا زلنا من خلالها نستطيع ان نقدم العون للأهل هناك ولقضيتهم ولو بقدر محدود فهل نتركهم لمصيرهم ؟ ثم ماذا عن الرعاية الهاشمية للأماكن المقدسة بالقدس وحوالي الف موظف يتبعون وزاره الأوقاف الأردنية ويشرفون على الأماكن المقدسة فيها؟ ولمن ستؤول هذه السيطرة بعد ذلك ؟ ثم من المستفيد اكثر من وقف المباحثات حول قناه البحرين ؟ أليس المستفيدين الأكبر من ذلك هم اعدائنا الصهاينة .
كما أخذ الكثيرين من المنظرين يطالبونا بتغير تحالفاتنا مع دول الخليج العربي نتيجة تغير الاولويات لديها واعتبارها ان الخطر الإيراني هو الخطر الأكبر عليها وما تبع ذلك من اختلاف المواقف في كثير من القضايا ، ودون ان يأخذوا في الاعتبار مصالح حوالي مليون مواطن أردني يقيمون ويعملون هناك وما يمكن ان يتعرضوا له في حال ساءت العلاقات مع هذه الدول ، وهل نسينا ما حصل في حرب الخليج الثانية عندما اختار الاْردن الحل العربي في حين هم اختاروا الحل الامريكي حيث وجدنا أنفسنا ضحايا حصار شامل وامام مئات الاف العائدين الى الاْردن وقد تركوا هناك أعمالهم واموالهم ؟
وقد أخذ البعض يرسمون لنا مستقبل الاْردن ومع من يتحالف ومع من ينسق ويروجون للتقارب مع التحالف الروسي التركي الإيراني القطري بديلاً للتحالف الامريكي الغربي الخليجي دون ان يكون هناك في الأساس أي دليل على وجود مثل هذا التحالف وان جمعتهم مصالح مشتركه بالملف السوري . بل ان بعضهم بدء يشد الرحال الى تلك العاصمة او الأخرى. فهل يريدون لنا ان نلقي أنفسنا في الحضن التركي الساعي ليجعلنا رعايا في دولته العثمانية الجديدة التي امتدت جذورها في العراق وسوريه وقطر وحالياً تحط رحالها في السودان؟ أم يريدون لنا ان نصبح ولاية من ولايات الفقيه التي امتدت من سوريه والعراق ولبنان واليمن؟ أم انهم يريدون ان يجعلوا من الاْردن قاعده روسية مثلما هي سوريه في طريق أعاده امجاد الدولة السوفياتية؟ أم يريدون منا ان نتحالف مع دوله قطر وبذلك نقطع آخر خطوطنا مع دول خليجيه اخرى ؟
لماذا يريدون منا ان ندخل في لعبه التحالفات وان نقف مع وضد بعض دول المنطقة بالرغم مما امتاز به النظام للأردني من الوقف على مسافه واحده من جميع القوى المتصارعة في المنطقة بما يخدم المصلحة الأردنية ويحفظ أمنه واستقراره ؟
لقد تحدثت عن ذلك في مقال سابق باختصار واقترحت ان نضع ثقتنا في قيادتنا الهاشمية لتقودنا الى بر الأمان وسط هذه الامواج المتلاطمة .
و ها هو جلاله الملك عبدالله الثاني يضع الخطوط العريضة للطريق الذي سوف نسلكه ان شاء الله ، وهذا كان في حديثه امام بعض أعضاء مجلس النواب وفي حديثه مع مجموعه من المتقاعدين العسكريين في الرمثا
فقد قال جلالته امام أعضاء مجلس النواب وفي لقاء الرمثا اننا وجدنا أنفسنا في الوضع الذي نحن عليه حيث لم تأخذ الولايات المتحدة الأميركية بنصيحتنا لكن يجب ان نعلم انه لا يمكننا ان نتجاهل الولايات المتحدة للوصول للحل المنشود وسوف نتواصل معها في الفترة المقبلة تفادياً لأي فراغ يؤثر على مصلحه الاْردن ولا بد ان نعمل للتأثير في أي توجه يتعلق بالمنطقة .
وفِي كلام جلالته هذا أوضح رد لمن يطالبنا بإيقاع عقوبات على الولايات المتحدة الأمريكية فهو يقول انه رغم ان ترامب لم يستمع لنصيحتنا وأصدر قراراته فأنه لا زالت خيوط الحل بيدها شأنا ذلك أم ابينا وأننا ورغم اننا نعارض هذه القرارات فأننا لا نستطيع مقاطعتها واننا يجب ان نستمر في محاورتها ومحاوله تغيير مواقفها مراعين بذلك مصلحه الاْردن . كما ان أميركا ليست ترامب وادارته فقط وان هناك الكثيرين ممن يعارضون نهجه والذين علينا ان نُسمعهم وجهه نظرنا ونكسب تأييدهم لموقفنا لعلهم يتمكنون هم من تغير موقف الإدارة الأمريكية الحالية او حتى تغيرها. ولهذا فأن الأردن سوف يستقبل نائب الرئيس الامريكي في جولته القادمة بالمنطقة.
كما قال جلالته ان موقف الاْردن اتجاه القدس والقضية الفلسطينية ثابت وأننا وسوف ندعم الاشقاء الفلسطينيين وأننا لن نتنازل عن حقنا وواجبنا المتمثل في الدفاع عن عروبتها . وان أي موقف او قرار لن يغير الحقائق القانونية والتاريخية وحقوق المسلمين والمسيحيين في القدس وان القدس مسؤوليه المجتمع الدولي كاملاً ولا بد ان نتحمل مسؤوليتنا ومنع تهويدها مسلمين ومسيحيين. وان الواقع يملي علينا اليوم ان لانترك الساحة ليستفيد من النزاع خصوم الحل المبني على أساس اقامه الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وان القدس تمثل قاعده ارتكاز للجهود الدبلوماسية وان الاْردن استطاع كسب نقاط إضافية في هذا المجال. وأكد جلالته ان مصالحنا الوطنية والقومية فوق كل اعتبار وسنعمل على خدمتها في حوارنا مع العالم .
وكلام جلالته واضح وصريح بدعم القضية الفلسطينية ومساندتها لغايه اقامه دولتها المستقلة وان لا نترك الساحة لأعداء الحل القائم على أساس حل الدولتين وهذ يتطلب عدم قطع جميع الخيوط التي تربطنا بدوله الصهاينة رغم كل مواقفهم وتصرفاتهم وبنفس الوقت ان نتمسك بحقوقنا اتجاههم وذلك بناء على الجهود الدبلوماسية . ومن الطبيعي ان اَي حل على هذا الأساس لا يمكن ان يتم في حال إلغاء اتفاقيه وادي عربه كما يطالب البعض بذلك ، وبنفس للوقت عدم تقديم تنازلات لصالح الصهاينة على حساب القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، أو على حساب الاْردن .
ودعا جلالته الى التنسيق مع الاشقاء العرب لبلوره موقف بحجم التحديات الجسام التي تواجهها المنطقة بالرغم من قوله ان للدول العربية أولويات واستراتيجيات متباينة .
كما قال جلالته عن الازمه السورية ان الاتفاق الثلاثي الأردني الامريكي الروسي لتحقيق تخفيف التصعيد في الجنوب السوري من شأنه ان يساهم في التوصل الى حل للازمه السورية وان الاْردن يدعم جميع المبادرات التي تساعد في التوصل لحل سياسي ضمن مسار جنيف وبما يضمن هدوء واستقرار سوريه واننا ندعم جميع مبادرات الحل السياسي للازمه السورية .
وهذا يعني ان الاْردن لن يسعى لتغيير تحالفاته في الوقت الراهن وانه سوف يحاول العمل على استمرار التنسيق مع الدول العربية رغم كل الصعوبات والاولويات المختلفة لهذه الدول ، والسعي للوصول الى تفاهمات معها تخدم القضايا العربية بما فيها القضية الفلسطينية والقضية السورية والتي قال ان الاْردن سوف يستمر بالتعامل معها ضمن إطار التفاهمات القائمة حالياً وبما يخدم هذه القضية .
وبهذا يكون جلاله الملك المعظم قد وضع النقاط على الحروف وانهى الجدل البيزنطي الذي دار حول تغيير التحالفات التي كان من الممكن ان تنقلنا من تحت الدلف الى تحت المزراب وانه في كل خطواته سيعمل بما فيه صالح القضايا العربية وصالح الأردن . وانه ورغم كل هذه الظروف ورغم كل هذا الضباب فإنه يرى اسباباً تدعو للتفاؤل خلال هذا العام ٢٠١٨.