بدون أن تقيم وزارة الثقافة مخرجات المدن الثقافية، والوقوف على التجربة ومراجعتها إن كانت بالأصل أصلت للثقافة مكاناً وإنساناً، ووثقت أو حتى تركت في وجدان الناس وذاكرتهم هذه الاحتفالية أثراً.
ودون أن تراجع المخرجات أو المنتج الثقافي وإن كانت هذه التجربة بعد أكثر من عقدٍ من الزمن كانت ذات جدوى، نحت الوزارة منحى التقسيمات الإدارية وأعلنت عن ألوية ثقافية ... هل ترى أننا نعيد إنتاج ذات التجارب دون أن نتأمل ما أفضت إليه ؟، وهل الغاية هي المشروع أم المخرجات والتجربة بحد ذاتها!
ألم يكن من الأولى أن نتريث وأن تجرى دراسات مستفيضة عن مشروع المدن الثقافية وأين نجح وأين أخفق؟ وهل حقق مبتغاه؟ وهل نجح في تحريك المشهد الثقافي المحافظات؟ وأين المحافظات التي نجح بها هذا المشروع ولامست وجدان الناس وعقولهم وعرفتهم بإرثهم وتاريخهم ؟ ألم يكن من الأولى أن نسأل الناس ولو عبر صفحة تواصل اجتماعي بسيطة عن ماذا يريدون؟
ولماذا نصر في كل مرة كأردنيين ونحن نطالب بمشروع ثقافي أن نجعل من الثقافة تنقاد للتشظية الاجتماعية التي نراها ، ونضعف دورها وكأنها تساير في باطنها الهويات الفرعية وتأخذ شكل "الدور " لا شكل " الجامع" فهل سينتظر كل لواء في المملكة طويلاً حتى نلتفت إليه؟، كما إنتظرت مدننا الأردنية من قبل إعلاناً يقول بأنها مدينة الثقافة لهذا العام.
ألم يحن الوقت لنعلن الأردن كلها مشروع ثقافي وطني يعتز بمفرداته وشخصياته وكتب أبنائه وينفض الغبار عن أفكار كثر من مفكريه لنقدمها للناس كمثقفين بمفاهيم بسيطة ومستساغة، وتمنحهم الإعتزاز، أليست الثقافة إحدى روافد الوجدان لدى الشعوب لتجعل منها معتزة بذاتها؟
كما أننا ونحن في وسط منطقة باتت متغيراتها كثيرة، وتعاني من ثقافة الإرهاب ورواسب الماضي التي خلقت لدى كثير من المجتمعات المجاورة معالم اليأس والإحباط، ألم تكن هذه الحالة نتيجة متوقعة لغياب المشاريع الثقافية الكبرى، ألم تهدم قيم المجتمعات المجاورة وأخلاقها قبل أن تتحول إلى تجمعات بشرية قابلة للحركة؟ ألم تضرب هذه المجتمعات وتنهار في مكامن قيمها وعقلها الجامع قبل أن تأتي عليها رياح السياسة وتحيلها إلى تجمعات بشرية.
وإن كنا نشكو غياب الأفكار ، والآليات، فألم يكن الأجدر بنا الدعوة إلى مؤتمر ثقافي وطني يساهم به الكتاب والأدباء والشعراء لنخرج بعنوان عريضٍ وننبري تحته عاملين على تحقيقه؟
برأيي، أن الوطن اليوم بحاجة لمشروع ثقافي حقيقي الشكل والمضمون والأبعاد، والبداية يجب أن تكون جامعة لا مجزأة ! فالمشاريع الثقافية الوطنية هاجسها القيم من ولاء وإنتماء وأخلاق متوارثة، فالقيم وأسلوب الحياة وعقول الشباب بحاجة لأدوات خطاب جديدة غير التقليدية المتبعة اليوم بالدعوة لمحاضرة وندوة ونشر كتابٍ جديد، على أهميتها.
والثقافة في وطننا ليست حالة محدثة أو هيكل إداري ينظم شؤونها بل هي متأصلة منذ عهد مليكنا المؤسس الشهيد عبدالله الأول إبن الحسين إذ تأسست الدولة على مشروع ثقافي حمل لواؤه الملك الشهيد، الذي كان ديوانه عامراً بالأدب والتاريخ والشعر ورموزه، ولليوم تحفل مخاطباته وأشعارهم بكثير من الشواهد على هذه السمة التي أضفت ملامحها على هوية على الأردن بوجهه العروبي والإسلامي، فالأردن بفضل هذا في مخيال وكتابات كثير من أدباء العرب ورموزهم إحدى النماذج الحية.. فمن يعيد الألق؟ .