يتساءل الكثير من الناس عن الحب والعلاقات الالكترونية التي تبدأ من فضاءات افتراضية.
على ما يبدو لا يوجد موضوع يجذب انتباه الناس أكثر من موضوع الحب، وقد يشعر الانسان أن موضوع التأثير التكنولوجي موضوع معقد يحتاج الى متخصصين لفهمه وكذلك السياسة والفلسفة ،الا في موضوع الحُب هو الأمر الذي يجذب الناس كافة كبار وصغارا مثقفين وأُميين رجالا ونساءاً، فقراء أو أغنياء . وهذا أمر طبيعي في كل الحضارات والمجتمعات أن يشعر الإنسان برغبة أن يكون محبوب وأن يُحِب .
وسأكون أكثر واقعية بتناول هذا الأمر، بأن الحب هو أمر يصعب على العقل تعريفه ومثلما يقال "أن للقلب أسبابه التي لا يستطيع أن يعرفها العقل" وهو القول الذي يقودنا الى قبول فكرة أن الإنسان من الممكن أن يحب نقيضه ، أو تقلبات النفس البشرية بحب انسان ومن ثم الانقلاب على هذا الحب .
وعندما يقع الإنسان في الحب لا أستطيع أن أقول له سوى كما قال ثيودور رايك: "في منظورات واسعة المنظور مثل موضوع البحث السيكولوجي في الحب، من المفيد أن تنسى كل ما تعرفه، أو ما تعتقد أنك عرفته عنه، وأن تلقي جانبا بما قرأته أو سمعته، وتقارب المشكلة ببساطة كما لو أنها المرة الأولى"
لكني سأركز أكثر على كيفية التودد في هذا النوع من أنواع الحب (الفضائي الفيسبوكي، او السناب شاتي، او التويتري او الانستجرامي) وما هي مدلولاته النفسية وإلى أي درجة وصلنا الى نوع من العزلة التي تدل على هشاشة الانسان في هذا الزمن التكنولوجي وهذه الثورة المعلوماتية التي قادتنا الى الحديث عن الحب بهذا الصورة .
عبر تاريخ الوجود الانساني الذي أرتبط وجوده بالحب في كل زمان وحضارة، أبتعد الحب عن مفهوم حب الانسانية جمعاء وقبول الأخر بأنفتاحية صداقة وأصبح مرتبط بتحرر فكري مفاده العشق والافتتان الجنسي
الذي فرض على ممثلينه بتقديم أنفسهم على أنه انقطاع الأفراد بذواتهم عن العالم وعن المجتمع والأسرة، ومن ثمة انعزاليتهم وشقائهم .
وفي العلاقات الزوجية الناجحة لا يغفل العقل عن الرغبات التقليدية والحاجات النفسية غير الحب التي تحقق هذا التوازن في أي علاقة تعزز من نسب نجاحها واستمراريتها ،وفي ذات الوقت غياب العاطفة التي يترأسها الحُب يعني أيضاً صعوبة في الاستمرارية وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"
ولست أقصد الحُب الشامل على أخلاق الفروسية والشهامة، ولا الحب الرومانسي الذي يرفع المرأة إلى مستوى رمز كوني، ولا بالحب العذري المتعفف، ولا حتى الحب الصوفي .وبالتأكيد لا أقصد الحب و الرغبة في إنكار العالم باسم الحب الطاهر والخالد مع الرومانسية، أو باسم الخروج عن المجتمع والاندفاع في الهياج العاطفي مع الغرائزية.بل الحُب المتوازن الذي يذهب بالإنسان الى الرقي بذاته ويزيد من روابط علاقته بالله تعالى وبالحياة وليس بالموت حُباً أو انعزالاً .
السؤال الذي نطرحه على أنفسنا أثناء وقوعنا في الحُب هو لماذا نحب هذا الشخص؟ لكرمه؟ لشخصه ؟لجماله لماله؟
وهذه التساؤلات تودي بنا إلى خيبة أمل بالتفكير بزوالها، ذلك بأننا نُحب صفات ولا نحب أشخاص .لكني لست مجحفة بحق الحب الى هذه الدرجة وليس معنى عدم فهمي لأمر ما يعني عدم وجوده .وذلك يعني إيماني بقدرية الحب ذاته ، الحب دون تساؤلات دون صفات ،الحب ماخلف المادة والجسد .
وإن كان "الحُب أعمى " كما قالوا قديماً في الأمثال الا يدفعنا هذا الى التفكير عن إنفصال الموضوعية في نظرتنا للحب نفسه إن كنا لانستطيع أن نرى عيوب المحبوب أو نقيّمها، وبالتالي لا نستطيع رؤية انعكاسنا الداخلي بنفسه ولا يستطيع أن يرى هو الأخر إنعكاسه الداخلي في ذواتنا .
أرى أن الحُب هو الدافع الأقوى للإرادة في نفس الإنسان، والمحبوبة التي يبحث عنها الرجل الحقيقي هي من تلهمه في البحث عن ذاته أكثر مما تلهمه في البحث في أعماقها والعكس صحيح.
أشرت الى أن العالم الأفتراضي قد يوفر لنا فرص لتلاقي أفكارنا وللتعارف، ولم أنكر تجارب ناجحة لأناس أحبوا بعضهم الكترونياً ومن ثم تزوجوا وكانت تجاربهم ناجحة، وأن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت الوقت والجهد والكثير من رسائل الحب واختزلتها بأيقونات قلوب وقُبّلات وورود جورية ،ووضعت العطاء بمنحى جديد عبر تمرير رسائل ودعوات ومشاركات مكتوبة .
الحب هو انتصار الانسان على ذاته ،ولن أحاربه فضائياً أو افتراضياً إن كان حقاً موجود، هو ترابط ومد جسور بين الجسد والروح، وهو وشغف الحياة ومعناها ،وإن أقصيته لستُبدل بكراهية وعدم تسامح وعدوانية وانحرافات وعدم تقبل للأخر، بل أني أدعو لثقافة الحُب.