ما هي هوية رؤساء الجامعات الجدد؟
د. محمد بني سلامة
13-01-2018 07:41 PM
يترقب العاملون في جامعات اليرموك والعلوم والتكنولوجيا والحسين قرارات لجنة الخبراء التي شكلها مجلس التعليم العالي لدراسة طلبات المتقدمين لإشغال وظيفة رئيس لكل من الجامعات السابقة ، والذين ستلقى على كاهلهم مسؤوليات عديدة وأعباء ثقيلة، في ظل الوضع المالي الصعب الذي تعاني منه غالبية الجامعات الاردنية الرسمية، نتيجة تقلص الدعم الحكومي المقدم لها، وترافق مع ذلك تراجع أعداد الطلبة فيها.
لقد شكل مجلس التعليم العالي لجنة من الخبراء الأكاديميين المشهود لهم بالنزاهة والموضوعية برئاسة معالي د. محي الدين توق وعضوية كل من د. محمد عد ينات و د. مصلح الطراونة و د. عبدالله عبابنة و د. فكتوربله ، وهم جميعا شخصيات اكاديمية مرموقة لم نعرف عنهم إلا أنهم يقدسون العلم والعلماء ، وأصحاب الانتاج الفكري النيّر ، والعقل البصير والضمير الحي ، والجامعات الاردنية وديعة بين أيديهم وأمانه في أعناقهم ، ومن المتأمل أنهم لن يسمحوا بإحراجهم والنيل من سمعتهم ، أو مس مصداقيتهم أو المزايدة عليهم.
ندرك تماماً أن مهمة اللجنة لن تكون سهلة، فعليها دراسة كافة طلبات المتقدمين والتي تزيد عن 100 طلب ، والمعايير التي وضعت من مجلس التعليم العالي كانت واضحة ومحددة وأهمها المعايير الثلاث التالية والتي قد لا تنطبق على كثير من ألمتقدمين وهذا قد يسهل عمل اللجنة:
1- الخبرة في الادارة الجامعية
2- البحث العلمي
3- استقطاب الدعم المادي (التمويل)
وهنا تبرز عدة أسئلة منها : كيف ستتم عملية القياس والتقييم هل يتم قياس الخبرة في الادارة الجامعية بالمواقع الادارية التي اشغلها المتقدم من رئيس قسم الى عميد الى نائب رئيس ام بعدد سنوات الخدمة ام بهذه الامور مجتمعة ؟ وهل يتم قياس البحث العلمي بعدد الابحاث والكتب المنشورة ام بنوعية المجلات ومعامل التأثير لها (Impact Factor) ام بعدد الاقتباسات من الانتاج العلمي Citations )) ام بهذه المعايير مجتمعة ؟ وكذلك كيف سيتم قياس وتقييم الية استقطاب الدعم المادي ، هل ستعتمد اللجنة على الوعود والخطط المكتوبة ام سيتم القياس وفق سجل الانجازات السابقة على هذا الصعيد ؟ وربما السؤال الاهم هل ستعمل اللجنة باستقلالية بعيداً عن أية ضغوطات وفي النهاية تقدم جدول مفاضلة لكل المتقدمين تبين فيه بكل نزاهة وشفافية ترتيب المتقدمين وفق معايير شفافة و واضحة ومحدده أم أن اللجنة شكلية -لا سمح الله – وشاهد زور، وأخر من يعلم، فالرؤساء القادمون للجامعات السابقة معروفين سلفاً ، واتخذ قرار تعينهم مبكراَ في الزوايا المعتمة أو الغرف المغلقة من مواقع ألسلطة .لا شك ان وضع معايير محددة وشفافة ويسهل قياسها سوف يسهل عمل اللجنة ويحقق العدالة للمتنافسين ، مما يسهم باستعادة الثقة بمصداقية مؤسسات التعليم العالي التي اهتزت مؤخرا نتيجة بعض القرارات الارتجالية مثل قرار تصنيف الجامعات على غرار الفنادق والمطاعم .
أن اختيار رئيس الجامعة من أصعب المهام وأعقدها ، في الماضي كانت عملية الاختيار سريعة وسرية إلى حد ما ، وتتم وفق معايير محدودة وحاضرة في أذهان أصحاب القرار أما اليوم فمع التغييرات العديدة والمتسارعة التي يشهدها المجتمع الأردني ، حيث أصبحت ثقافة وقيم وممارسات الشفافية والعدالة والمواطنة والمشاركة والمسؤولية وغيرها مطلب رسمي وشعبي في نفس الوقت، وذلك باعتبار تلك المبادئ من مرتكزات الحكم الرشيد، ,وعليه فان هناك مسؤوليات جسيمة على لجنة الاختيار وصناع القرار في مجلس التعليم العالي ، ومعركتهم الكبرى هي اختيار الأكفأ والأجدر والأحق ، بعيداً عن أية اعتبارات اخرى ديمغرافية أو جغرافية أو سياسية أو اجتماعية او غيرها ، ورئيس الجامعة ليس منصباً سياسياً خاضعاً لاعتبارات المحاصصة والترضية.
ثمة مسألة أخيرة أود التوقف عندها في هذه المقالة وهي : هل سيكون الرئيس القادم من الجامعة أم من خارجها؟ ان جامعة اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا لهما خصوصية كجامعات عريقة عكس الجامعات حديثة النشأة ، وأود ان اتوقف في هذه المقالة عند جامعة اليرموك ، فمنذ تأسيس الجامعة عام 1977 حتى اليوم ، تعاقب على رئاستها عشر رؤساء منهم من كان من أسرة الجامعة ومنهم من جاء من خارجها، وقد كان أدائهم مختلفاً ، منهم من اجتهد وأصاب ، ومنهم من اخطأ ، بغض النظر من أين جاء، فالتعميم في هذا السياق غير جائز، ولكن جامعة اليرموك اليوم غير جامعة اليرموك في الماضي، وهي بالمناسبة من اعقد الجامعات في البلاد ، و ادارتها ليس بالأمر السهل ، وبحكم الرابطة الشخصية التي تربطني بالجامعة ، فقد عاصرت كافة رؤسائها كطالب درس فيها ، وبعث على نفقتها ولاحقاً عاد اليها عضو هيئة تدريس ، وأمضى فيها ما يقارب عقد ونصف ، فأنني أميل الى الرأي القائل : أهل مكة أدرى بشعابها، فالرئيس الذي خدم في الجامعة ويعرف عن قرب واقعها وظروفها ومعطياتها ومعالمها وكواليسها ومعظم العاملين فيها باعتباره واحداً من أسرتها، ليس مثل الرئيس الذي هو ليس منها ، وربما لم يدخلها يوماً في حياته حتى زائراً ، ويحتاج الى فترة طويلة ، حتى يستطيع أن يتلمس طريقة فيها ، وهذا ربما يكون عائقاً كبيراً أمامه لتحقيق الآمال في النهضة والتطوير وخدمة الجامعة والوطن والمجتمع، كما أن اختيار رئيس للجامعة من أسرتها يمثل قيمة مضافة ، حيث يمثل حافزاً للعاملين فيها لمزيد من البذل والعطاء والتمييز والنجاح ، وجامعة اليرموك فيها الكثير من الكفاءات والقامات العلمية المؤهلة ، وعلى مدى السنوات الماضية قدمت للدولة والمجتمع الكثير من ذوي الالقاب من وزراء وأعيان ونواب أو رؤساء جامعات ونواب رؤساء وغيرهم ، واليوم هناك 3 رؤساء جامعات خاصة هم مسؤولين سابقين في اليرموك ، وأبدعوا في مواقعهم ونهضوا بجامعاتهم وهم امناء على مسؤولياتهم وأوفياء لواجباتهم.
أخيراً، نؤكد على أن كل اللذين تقدموا لإشغال وظيفة رئيس جامعة هم جميعاً بلا استثناء مواطنون أردنيون كفل لهم الدستور الحق في إشغال هذه الوظيفة، لديهم أحلام وطموحات مشروعه وآمال بالظفر بالوظيفة، تحركهم كرامتهم، ويؤمنون بالعدالة ويرفضون الظلم.
ونعتقد أنه ليس لأحد مصلحة في مخالفة النصوص الدستورية وأحكام القانون والأوراق النقاشية الملكية وفقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها وعلى رأسها مؤسسات التعليم العالي مقابل إرضاء فلان أو تصفية الحساب مع علان؟
نأمل أن تبقى هذه الكلمات حية في الذاكرة ، وأن تفسر بحسن نيه ، وأن تقوم اللجنة المكلفة بواجبها بعزم وأمانه وروية ودون تسرع، وليكن الحرص على أن تحقق العدالة وتتخذ القرار السليم هو غايتها ومعركتها الوحيدة هي تحقيق العدالة باختيار الأكفأ، فهذا هو الذي يحقق للأردن التقدم والازدهار، والتنمية والعمران والأمن والاستقرار، فالظلم والفساد وانتهاك الحقوق يدمر الإنسان والأوطان، والله يحمي الأردن، ويوفق الجميع لخير الوطن، ونفع المجتمع.