عاد أطفال هنود قاموا بالتمثيل في فيلم "المليونير المتشرد" من الولايات المتحدة إلى ديارهم بعد إنهاء حفل الإعلان عن توزيع الجوائز، حيث نال الفيلم الذي شاركوا فيه جائزة الأوسكار. لقي هؤلاء، ومنهم أزهر الدين محمد إسماعيل )لعب دور سليم( استقبالاً شعبياً حافلاً من مواطنيهم، وتم رفعهم على الأكتاف، وهي طريقة تقليدية في الشرق للاحتفال بالأشخاص المحبوبين. المفارقة أن هؤلاء ومنهم الطفلة روبينا التي أدت دور ماليكا في الشريط، عادوا بعد الأضواء وأجواء البذخ التي عاشوها لأيام في لوس أنجلوس، إلى أجواء الفقر الشديد التي برع الشريط في تصويرها.
أجل عاد هؤلاء إلى بيوت الصفيح قريباً من جبال القمامة. ولا شك أنها تجربة هائلة لهؤلاء الفتية بعدما لمسوا الفرق بين مستوى حياتهم وحياة أسرهم، وما يعيشه أناس آخرون في موطنهم الهندي، كما في الديار الأميركية. ينتظر هؤلاء كجزء من أجورهم، الانتقال قريباً مع أسرهم إلى شقق عصرية حديثة، مع مدخرات مالية لكل منهم هي ثمرة جهدهم ومكافأة مواهبهم، وليست أعطية من المنتجين البريطانيين. في انتظار ذلك صادف الفتى أزهر الدين ) 10 سنوات( في بيته العائلي، ما لم يخطر له ببال. فبعد الحفاوة ومشاعر الافتخار التي لقيها من الأسرة ومن أبناء الحي، فقد تقاطر على البيت إعلاميون كثر، ينشدون لقاءات مع الفتى والتقاط صور له وتسجيل أحاديث معه.
الفتى الذي انهكته رحلة العودة بالطائرة من القارة الأميركية الشمالية إلى شبه القارة الهندية الآسيوية، والذي كان يتوق للعودة إلى الحياة الطبيعية الأليفة رغم ما تتسم به من ضنك، لم يكتم ضيقه من التغييرات ا لمفاجئة التي طرأت على حياته، فكان أن أعلن رفضه الالتقاء بمزيد من المراسلين والفضوليين، وكان التقى عدداً منهم. فماذا كانت نتيجة ذلك؟. واصل أهل الإعلام إلحاحهم وضغوطهم عليه، لكن الأسوأ من ذلك، كان موقف الأب محمد إسماعيل إزاء الابن الذي منح المجد للعائلة. اعتبر الأب أن من السذاجة والحمق عدم الانصياع لرغبات ميديا لا حدود لمتطلباتها ومضايقاتها، لكن بركاتها وفوائدها بلا حصر.فما كان من الأب إلا أن انهال على نجم السينما الصاعد بالركلات والصفعات، على ما نقلت وكالات أنباء. المجد الذي حققه أزهر للعائلة، لم يشفع له أمام السطوة المطلقة للأب الذي رأى في ابنه فرصة استثمارية وكنزاً.. مع بقاء الابن طفلاً ضعيفاً، لا قبل له في رد مشيئة الأب كلي الحضور والسلطة، وفق تربية شرقية تقدس التقاليد التي تُسوّغ التسلط. أما الاحتكام إلى البراءة والبداهة، فلا محل له في هذه المنظومة الصلدة. فالفتى الصغير حاول من دون قصد بث رسالة بأن الشهرة لا تعنيه، وأن حقه في الراحة واحترام خصوصياته هو حق طبيعي. فكان أن تعرض في بيته إلى عقاب لا يقل قسوة عما عاناه من ماتان متعهد مجموعة المتسولين في الفيلم. الراجح أن تجربة أزهر مع أبيه سوف تحفر في عمق وجدانه، كما حفرت تجربة المشاركة في أول شريط سينمائي.
السجل.