تذكر المصادر الأندلسية ان قرابة ٢٢ اثنين وعشرين دويلة قد نشأت في فترة دول الطوائف ، وقد اطلق عليها اسم "عصر الفتنة" وعصر "الفرق" وأطلق على هؤلاء الزعماء "مقتسمي الملك" و "زعماء الفتنة " ، وقد انشغلوا في حروب فيما بينهم ، ولازمهم عدد من الأدباء والشعراء والمنافقين الذين كانوا يزينون لهم أعمالهم ، ويصورون لهم الهزائم انتصارات وأن الصلح مع الأعداء هو عين العقل.
وقد وصف ابن الخطيب العلاقة بين ملوك الطوائف "وجعل الله بين أولئك الأمراء من التنافس والغيرة ما لم يجعله بين الضرائر والمترفات ، والعشائر المتغايرات فلم تتصل لهم في الله يد ، ولا نشأ على التعاضد عزم ولا توجه الى الاستكثار قصد"، وأصبح لليهود دور في تيسير الأمور فعلى سبيل المثال استطاع ابن النغريلة اليهودي ان يسلم معظم حصون غرناطة لابن صمادح ، واستعانوا بالأسبان على بعضهم البعض، واستخدموا عسكرهم لارهاب الناس ، وللتوثيق فان من اسماء هذه الدويلات ، وهولاء القيادات ، آلِ جهور في طليطلة ، وابن منذر في الثغر الأعلى ، وابن هود ، وابن يعيش وابن ذي النُّون ، وبطليموس، ومملكة غرناطة، وآل معين ، وبلنسية ومرسية، وليلة وبرشتر وميورقة، وقرمونة وتاكرتا وسليمان الجذامي ، وبنو عباد في إشبيلية ، والعامريون في الشرق ودانية، وابن زرين وبرشتر ، هذه اسماء اثنين وعشرين منطقة وحاكما ، استفاق هؤلاء من غفوتهم على أصوات الاستغاثة.
يقول ابن عبد البر " وأي أمان من زمان قلّما يخضّر منه جانب، الا جف جانب،، ولا تبرق منه بارقة الا اتبعتها صاعقة، وننبئكم معشر المسلمين بعض ما نابنا في ثغورنا عسى ان تكونوا سببا لنصرتنا، والسعيد من وعظ بغيره" دفع المسلمون الاتاوة لالفونس السادس ، وكان الرسول لابن عباد بطلبها يهودي ، فتمادى فقتله المعتمد فكانت سببا لمزيد من القتال ، حتى طلب الفونوس من المعتمد ان تلد زوجته في جامع قرطبة الكبير ، وأرسل له رسالة مطولة فيها من الاستهزاء والسخرية والتحدي فأجابه ، ان الجواب ما تراه لا ما تسمعه وكتب على ظهر الرسالة بيت ابي الطيب المتنبي:
ولا كتب الا المشرفية والقنا
ولا رسل الا الخميس العرمرم
وكانت موقعة الزلاقة ، والتي على اثرها تقلص حكم ملوك الطوائف ولكن الى حين ، انهارت دولة المرابطين ، وحلت مكانها دولة الموحدين ، وبين نصر في الأرك وهزيمة في العقاب ، تجمع المسلمون اخيراً في مدينة غرناطة، والتي غدت معقل المسلمين النازحين من سائر الأندلس ، وأصبحت رمزا للدولة الاسلامية المتحضرة ، واشبه بسراج يخبو ويشتعل، وعندها جرت المفاوضات بعد وقت قصير في طَي من الكتمان ، انتهت بمعاهدة تسليم غرناطة، تتكون هذه المعاهدة من ٥٥ بندا ، عامة ، و ١٤ أربعة عشر بندا خاصة بالامتيازات لابي عبدالله الصغير وأسرته ، وقعت الاولى في ٣٠ كانون اول ١٤١٩م ووقعت الثانية في ٢٥ كانون الثاني ١٤٩٢م. وعند دخول غرناطة أذاع فرديناند وايزابلا مرسوما الى أهل غرناطة، وَمِمَّا جاء فيه :" اننا ننذركم الا تكون عونا على هلاككم ، اذا دخلتم في طاعتنا وارتضيتم خدمتنا، فسنجزيكم خيرا ، ومن يرغب بالهجرة فسنسمح له، ويستطيع ان يبيع أملاكه وستكون السفن التي تنقلكم مجانية". وتقول الرواية ان فريدناند قال: "ما كنت أظن ان تبلغ الذلة بالعرب الى هذا المستوى، ولو كنت اعلم حقيقة ما هم فيه لوفرت على نفسي تلك الجهود المضنية ".
في ٦ كانون الثاني ١٤٩٢م سلمت غرناطة، وفِي نفس السياق تذكر المصادر ان رسائل استغاثة قد أرسلت الى السلطان العثماني با يزيد الثاني والذي لم يستطيع ان يعمل شيئا يذكر لانه كان مشغول بضم أراضي مصر الى الدولة العثمانية، لم يقم فرديناند وايزابلا بالوفاء بما التزما به لحاكم غرناطة - فبعد سبع سنوات بدأ الإعدام الذي طال ثلاثة آلاف من أعيان المدينة ، ثم جمعت الكتب من المكتبات وحرقت في الساحة العامة ، اما ابو عبدالله الصغير ، فقد تم الاستيلاء على المنطقة المخصصة له ، ولَم يبق له شئ ، ثم جاء الدور لليهود الذين تم إجلاؤهم عن المدينة (غرناطة) ولَم يجدوا الا المغرب العربي ملجأ لهم.
هذه لمحة سريعة الى الفترة الاخيرة من حكم المسلمين في الأندلس توحد في الرأي لدى الإسبان ، وفرقة لدى المسلمين ، وموالاة لهم ، مفاوضات سرية للحصول على ضمانات بالبقاء ونكث العهود بعد النصر ، انها قراءة للتاريخ في وقت نحن احوج ما نكون فيه لنعلم كيف حدث لنا هذا وهل يمكن ان يحدث مثله، وما هي مواقف القوى المحيطة بِنَا ، حتى لا نبكي كما بكى ابو عبدالله الصغير الذي قالت له أمه : "ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال ".