الأردن وتحديات المرحلة الراهنة
د.رحيل الغرايبة
12-01-2018 02:19 AM
أصبحت التحديات التي تواجه الأردن في المرحلة القريبة القادمة أكثر جدية، و أكثر صرامة، و أشد وضوحا، وإن كان الكثير منها قديماً ومعروفاً ومألوفاً، ولكن ربما يحسن أن نقول أنها أصبحت تحوز على توافق واسع و كبير من مختلف الاتجاهات وأصحاب الرأي بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهذا يجعلنا جميعاً أكثر جدية و صرامة و أشد وضوحاً في تبين الطريق الصحيح الموصل إلى الهدف المنشود وضرورة الشروع في العمل دون إبطاء.
التحديات كثيرة وعديدة على مختلف الأصعدة والمستويات وفي كل الاتجاهات وجميع الجبهات، فهناك تحديات سياسية داخلية وإقليمية وعالمية، وهناك تحديات اقتصادية معقدة، وهناك تحديات اجتماعية لا تقل خطورة عن سابقتها، وهناك تحديات إدارية وتنظيمية بالغة الحساسية والأثر الملموس، وهناك تحديات تربوية وتعليمية لا ينكرها المختصون جميعاً بلا استثناء، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية بكل تأكيد، وكلها على درجة عالية من الحساسية والأهمية والخطورة، وكلها تستحق الاهتمام الكافي والمعالجة المناسبة، لكن لا بد من جدولتها على سلم الترتيب من حيث الاستحقاق الحرج بالبدء؛ لأنها مترابطة ومتشابكة و يترتب بعضها على بعض.
المنطلق الأول في عملية المواجهة يقتضي امتلاك ناصية الأمل و الامتلاء بالثقة أننا قادرون على مواجهة التحديات مهما كانت درجتها من التعقيد والخطورة، وقادرون أيضاً على تحقيق النجاح بإذن الله إن أحسنّا التخطيط والأخذ بالأسباب، ومن خلال وحدتنا الوطنية و تماسك صفنا و صلابة الموقف الأردني الشامل، والعزم الجمعي القوي على خوض غمار بناء الدولة الأردنية الحديثة وضرورة الاستعداد التام للمرحلة القادمة التي تحمل توقعات إعادة التشكل وإعادة البناء.
المنطلق الثاني في عملية المواجهة يتمثل بالوضوح في الرؤية المستقبلية والخطة الاستراتيجية بعيدة المدى، وأن نبتعد عن التعامل مع التحديات الكبيرة بالقطعة والتجزيء المخل والنظرة قصيرة الأمد، وضرورة امتلاك القدرة الجمعية على إدراك معالم المستقبل القريب والبعيد وفق نظرة علمية تحظى بالتوافق وتحظى بالدراسة العلمية الموضوعية من مختلف الجوانب قبل الشروع في عملية المواجهة، وهذا يقتضي قسطاً كبيراً من الجرأة في وصف مشاكلنا المستعصية، وقسطاً وافراً من الصراحة بالاعتراف بالأخطاء التي وقعت خلال المرحلة السابقة، والتي ما زالت قائمة، بعيداً عن منهج التزلف والنفاق وبعيداً عن مسارات التملق والمديح وبعيداً عن كل أشكال التبرير والطبطبة والمواربة في ملامسة الجراح النازفة، والأخطاء القاتلة؛ لأنه لا مجال للانطلاق إلى الأمام دون الاعتراف بأخطاء المرحلة السابقة.
المنطلق الثالث في عملية المواجهة يتمثل بامتلاك اليقين الكامل بأن عماد النهضة هو الإنسان، في كل تجارب الدنيا قديماً وحديثاً؛ ما يجعلنا وجها لوجه أمام معضلة إعداد الإنسان الأردني الذي يجب أن يتحمل المسؤولية بكفاءة، والقادر على إنجاز المهمة المطلوبة، الإنسان الأردني الذي يملك مقومات حس المواطنة والانتماء العميق لوطنه وأمته والمتسلح بالعلم وتطوير الملكات والمؤهل لخوض عملية البناء والتحضر الحقيقي والقادر على تحقيق مسيرة التحديث بجهده الذاتي وقدرته الحقيقية على الإنجاز والمفعم بالأمل والثقة والعزم والإرادة الفولاذية التي لا تلين، والعصية على الاحباط والاستسلام للفشل، وهذا يحتم علينا إعادة النظر في مسيرتنا التعليمية والتربوية على صعيد المدارس والجامعات من خلال ملاحظة المخرجات المنظورة على الأرض.
التحدي الأول الذي يقف منتصباً في مقدمة صف التحديات المتوالية هو التحدي السياسي، والذي ينبغي الشروع في معالجته أولاً بنجاح، وهذا لا يقلل من خطورة التحديات الأخرى مثل التحدي الاقتصادي الذي يشكل الهاجس الأكبر للمواطنين؛ لكن ما يجب التوافق عليه أن التحديات الأخرى لا سبيل لمواجهتها الاّ من خلال برنامج سياسي، بمعنى أن مهمة أهل السياسة الإشراف على إدارة برنامج المواجهة لكل التحديات الأخرى وهي لب النجاح والفشل للبرنامج السياسي، وبعبارة أخرى إن معيار نجاح أو فشل البرنامج السياسي يظهر بوضوح من خلال النجاح و الفشل في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية وغيرها، وهذا يعني بكل يقين أن التحدي السياسي يتمثل بالقدرة على تحقيق حشد الطاقات والكفاءات الوطنية وتوزيع الأدوار وفق التخصصات المطلوبة بعيداً عن الفساد والمحسوبية والشللية المرتبطة بالمصالح الشخصية و الفئوية و الجهوية على حساب المصلحة العامة والحق العام، وأن النجاح في مواجهة التحدي السياسي سوف يشكل عماد النجاح في مواجهة التحديات الأخرى.
الدستور