اللامركزية: نتائج غائبة ومطالب بامتيازات حاضرة
11-01-2018 06:25 PM
عمون - محمد حمد - في الوقت الذي كانت تُعوِّلُ فيه الدولةُ على اللامركزية من أجل تخفيفِ الضغط على الحكومة المركزية، وخلقِ حالة من المشاركةِ الشعبية في صناعةِ القرار وخاصةً القرارَ التَّنموي ما تزالُ هذه الفكرةُ المستحدثة في المملكة بمَثابةِ لُغزٍ يَستصعُبُ المواطنُ حلَّ طلاسِمه، كما يعجز أصحابُ الفِكرة على توضيحها بشكلٍ سلس للشارع المُتعطِّشِ لتنميةٍ حقيقية تنعكس إيجاباً على حياته الخاصة.
ولعَلَّ هذا تحديداً ما دعا له رأسُ الدولة الملك عبدالله في أحد لقاءاتِه التي أعقبَت الانتخابات، حيثُ أكد أن ما يتطَلِعُ إليه في المقامِ الأول هو أن يلمسَ المواطن الأثر من تطبيق اللامركزية، والذي يتمثل في تحسين جَودة الخِدماتِ المُقدمة، وتحقيقِ التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، ولكنَّ هذه الدعوةَ أيضا لم تلقَ حتى اللحظة آذاناً صاغيةً من قِبَلِ القائمينَ على هذه التجربة، أو حتى الإحساسِ بها من قبل المواطن.
ما هو تعريف اللامركزية؟
يُعرَّفُ مفهوم اللامركزيةِ أكاديمياً على أنه: تفويضُ الإدارة المركزيةِ للسُّلُطاتِ المحلية بعيداً عن مَركِز صُنعِ القرار، فيما تَطرحهُ الحكومةُ على أنه: تعزيزُ مشاركةِ المواطنين في صنع القرار على المستوى المحلي.
تضارُبُ المهام وتشابهُ الأهداف يزيد الأمر غموضاً
المراقبون عن كثب لهذه التجربةِ انقسموا إلى فريقَين، أحدُهم يعتبرُ أن مجالس المحافظات التي أفرزَتها اللامركزية لن تُقدِّمَ جديداً للمحافظة من الناحيةِ التنموية أو حتى الخدمية، خاصةً في ظِلِّ وجودِ المجالس المحليةِ والبلدياتِ التي انتخبت لأولِ مرة في المملكة عام ألف وتسعِمئةٍ واثنين وخمسين، والمُناطُ بها تقديم أغلب الخدمات للمحافظة أو المِنطقة، إضافةً إلى وجود مجلس تنفيذي لكلِّ محافظةٍ يَرأسُه المحافظ والذي يُبقي وِفقاً للقانون الإشرافَ على الخِططِ التنمَويّة والخدميّة وعلى إعدادِ الموازنة السنويّة للمحافظة ضمن صلاحيات المحافظ، وكذلك يُناطُ بالمجلسِ التنفيذي المعيَّنِ بالكامل كافةَ المهمات الفعلية المتعلقة برسم السياسات والخِطط التنموية، ووضع مشروع موازنة المحافظة، وهذا تحديداً ما يُظهِر بحَسبِ فريقِ المراقبين بأن مهامَ مجلسِ اللامركزية هي ذاتُها مهامُ مجلس المحافظة، مع الفرقِ الوحيد بأن الأول مُنتخَبٌ والثاني مُعينٌ من قِبلِ الدول.
أما فريقُ المراقبين الآخر فقد اعتبر أن التخبط والغموض وحتى تضاربَ المهام والصلاحيات القائم حالياً، يُعدُّ أمراً طبيعياً، خاصةً وأن اللامركزيةَ تجربةٌ جديدة على المواطن من جهة والمنتخبين من جهة أخرى، وتحتاجُ أي التجربةُ المزيدَ من الوقت لنضوجها وترسيخها شعبياً، وأيضاً فكَّ التشابكِ الحاصل حالياً بين مجالسِ المحافظة المُعيَّنةِ والمُنتخَبةِ، والمجالس المحلية والبلدية.
الداخلية صاحبة الفصل في خلافات المجلسين
في حالِ نُشوب خِلافٍ بين مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي حولَ أيةِ مسألة، يجوزُ لوزير الداخلية، بناءً على تنسيبٍ من المحافظ، إحالةَ الخلاف إلى مجلس الوزراء، الذي سيكون له كلمةَ الفصل في الخلاف، بحَسبِ المادةِ الثالثةَ عشر من قانونِ اللامركزية.
أكثر من مليونَي دينار مكافآتٍ سنوية لأعضاء اللامركزية
وعلى الرغمِ من كافةِ المؤشرات التي تُظهِرُ عدم وجود آثارٍ إيجابية ملموسة على أرض الواقع منذ إعلانِ النتائج الرسمية للانتخاباتِ البلدية واللامركزية في الثُّلثِ الأخير من شهر آبَ الماضي، إلا أن المراقبينَ يعتبرون استحداثَ مجالسٍ جديدة تُرهِقُ خزينةَ الدولة التي تُعاني من عجزٍ دائم، حيثُ وبناءً على القانون الداخلي تم تخصيص مبلغ ألفِ دينار شهريٍ لكلِّ رئيسِ مجلس في محافظات المملكةِ الاثنتَي عشرةَ، وتخصيصِ خمسِمئةِ دينارٍ شهريٍ لكلِّ عضو في المجالس والبالغِ عددُهم ثلاثَمئةٍ وثلاثينَ عضواً، أي ما يعادلُ مليونَين واثنين وخمسينَ ألفَ دينارٍ سنوي.
لم يقتصرِ الأمر على المكافآت التي سيتقاضاها الرؤساءُ والأعضاء فقط، بل تجاوزَها بالمطالبةِ بميزاتٍ أخرى ليس من شأنها إرهاقَ خزينةِ الدَّولة فقط وإنما مخالفةُ التشريعات والقوانين المًعمول بها، فلم تتوقف مجالسُ المركزية طوالَ الفترةِ الماضية عن المطالبة بالتعاملِ معهم على أنهم نوابُ خدمات ومنحِهم بطاقاتٍ تعريفية بذلك، ومنحِهم الحَصانة القانونيةَ ولوحاتِ مركباتٍ حمراء أسوةً بمجلس النواب، وهذا ما تم رفضُه جملةً وتفصيلاً من قِبَلِ الحكومةِ التي أكدت على لسانِ وزير الشؤونِ السياسية والبرلمانية فيها موسى المعايطة أن بعضَ مطالبِ مجالس المحافظات تتنافى تماماً مع نصوصِ الدستور والقانون.
المعايطة دعى تلك الأصوات التي تُطالِبُ بالميزات غيرَ القانونية إلى التركيز خلالَ الفترة المُقبلَةِ على طبيعة المهام المُناطةِ بهم ومعرفتها لا بل ودراستِها، ليتمكنوا من أداء أعمالهم وتقديمِ أفعالٍ ملموسة على أرض الواقع يشعرُ بها المواطنُ البسيط قبلَ صاحب القرار.
قانوني اللامركزية والبلديات
ينص قانون اللامركزية الذي أُقِرَّ في عام ألفين وخمسةَ عشر على تشكيلِ مجلسَين في كلِّ محافظة، أحدُهما تنفيذي، برئاسةِ المحافظ، يكون كافةُ أعضائه معينين من قبل الجهاتِ المختصة، أما المجلسُ الثاني فيسمى مجلس المحافظة، ويكون غالبيةُ أعضائِه منتخبون، بينما يُعيِّنُ مجلسُ الوزراء بتنسيبٍ من وزير الداخلية ما لا يزيد عن خمسةَ عشرَ بالمئة من أعضاء هذا المجلس.
وِفقًا لهذا القانون، يبقى الإشراف على الخِططِ التنمويّة والخدميّة وعلى إعدادِ الموازنة السنويّة للمحافظة ضمنَ صلاحيات المحافظ. أمّا المجلسُ التنفيذي، المُعيَّنُ بالكامل، تُناطُ به كافةُ المهماتِ الفعلية المتعلقة برسمِ السياسات والخطط التنموية، ووضع مشروعِ موازنة المحافظة.
بالمقابل، تُناطُ بمجلسِ المحافظة المنتخب مهمةُ إقرارِ مشروعات الخِططِ وإقرارُ الموازنةِ والاطلاع على كيفية تنفيذ الموازنات السنوية لجميع بلدياتِ المحافظة.