كل صباح حين تقبل الشمس وجهي أتأمل بالوَرِق عبر النافذة، أقلب الربب باحثا عن سماء صافية لأفكاري حتى تركب بساط الريح لتحلق عاليا بعيدا عن بشر نزعوا أقنعتهم فكشفوا عن وجوههم مثل وجوه الموتى في الأجداث.
كل صباح حين تغني فيروز أتأمل بذاتي عبر المرآة فأخجل منها لأنني لا أعرفها! يزف الوقت وأنا أحاول سبر أغوارها لأعرفها تجدني حائرا حقا في الإجابة على السؤال القديم الجديد: من أنا؟!
تستمر آمالي بالسير على خط مستقيم لا ينتهي أو ينحني، لربما ثورة في أعماق ذاتي تقوم أو انقلاب على نواميس الحياة يحدث، أو اكتشاف للحقيقة يحصل، وذلك ليس بالأمر اليسير لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
في أثناء سيري على ذلك الخط المستقيم، رأيت فيلسوفا وراهبا قد التقيا وهبوط الديجور هناك في أقصى الشمال حيث أدنى الجنوب. دار بينهما حوار غريب إذ قال الفيلسوف للراهب: ليتني أعرف من هو الإنسان! فانفجر الراهب من الضحك وقال له: الإنسان يا صاحبي وببساطة هو صورة الله ومثاله! حينئذ ابتسم الفيلسوف ابتسامة صفراء سرعان ما استحالت إلى ضحكة مدوية حين سمع الراهب يقول له: ليتني أعرف من هو الله! فأجابه الفيلسوف مقهقها: الله يا صاحبي وببساطة صورة الإنسان ومثاله! فابتسم الراهب حينئذ ابتسامة صفراء.
تابعت المشي على ذلك الخط المستقيم أتأمل في هذا الكون وفي تلك الذرة، وأتفكر في أمر هذا الإنسان المخلوق وفي ذلك الإله الخالق، وما بين التأمل والتفكر أقرأ شاخصة على طريقي تقول: ما عييت إلا أمام من سألني من أنت! وفي قول جبران خليل جبران هذا تأكيد لوجود سحابة دهماء قد تلبدت حول الإنسان مذ نفخ الرب في أنفه نسمة حياة حتى صار نفسا حية، وفيه إشارة واضحة إلى عقدة النقص التي يعاني منها العلم بكافة مجالاته، وإلى معضلة أو لغز يواجهه الدين والفلسفة معا في محاولة لاكتشاف الحقيقة وتعريف الإنسان بذاته.
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري) بأن العقل البشري لم يبتكر مكيدة أبشع من مكيدة الحق والحقيقة، ولربما كان صائبا في قوله، ولربما أسير على ذلك الخط المستقيم نحو مكيدة بشعة ما من مكيدة أبشع منها، ولربما كان الراهب صائبا في إجابة سؤال الفيلسوف، لكن الابتسامة الصفراء التي ارتسمت على وجه الفيلسوف لربما كان لها رأي آخر.