تناغم مؤسسات الدولة وقيمة العمل
رومان حداد
11-01-2018 12:59 AM
تقوم فكرة الأوركسترا الموسيقية على عدة أسس مهمة، أولاً تعدد عائلات الآلات الموسيقية، وثانياً وجود مؤلف موسيقي يؤلف لكل آلة موسيقية لحنها الخاص بما يتوافق مع أفضل إمكانات الآلة، بالإضافة إلى التوزيع المحترف للأدوار على الآلات، ووجود قائد لهذه الأوركسترا، والمستمع للأوركسترا يشعر بإبداعها حين يشعر بتناغم الأداء، والتناغم يعني أن كل آلة تعزف اللحن الخاص بها ولكنه يصب في جمالية اللحن الاوركسترالي.
الدولة بأجهزتها ومؤسساتها عبارة عن أوركسترا كبيرة، على كل مكون منها أن يقوم بالأداء (اللحن) المطلوب منه ولكن بشرط أن يكون متناغما مع أداء الأجهزة والمؤسسات الأخرى، وفي هذه الحالة يصبح الأداء في الدولة أداء أوركسترالياً بامتياز، وهو ما يجعل الغالبية العظمى ترضى عن الأداء بل وتصفق له.
من الواضح حتى الآن أننا ما زلنا بعيدين عن جودة الأداء الأوركسترالي، وحين نحاول الظهور بمظهر الفرقة الموسيقية تقوم بعزف لحن واحد (مونوتون) بصورة تقود إلى الملل، مما يعطي انطباعاً أن الرؤية للدور وكيفية الأداء مازالت غير واضحة لدى كثيرين، وهو ما يزيد من عدم الارتياح، وتفقد الدولة فرصة جديدة ومهمة لاستعادة أدوار عدة في الداخل والخارج، وتكرار المحاولات من دون نجاح يزيد من سجل الفشل ويصير عائقاً جديداً في هذا الطريق الصعب والوعر.
الفكرة التي يجب أن تقوم عليها الدولة خلال المرحلة القادمة هي قيمة العمل، فالدولة بمؤسساتها المختلفة قامت خلال المرحلة الماضية بإهمال هذه القيمة، قيمة العمل، وذلك عبر إعلاء قيم بديلة منها قيمة العلاقات الشخصية مع المسؤول وقيمة الحظ وقيمة التزلف لأصحاب القرار، لأنها كانت الأساليب الثلاثة المتنوعة التي تأتي بشخص ما إلى المنصب العام من غياهب المجهول إلى مركز المعلوم،وعليه فإن جيل الشباب تحديداً لم يعد يثق بالعمل والجهد والمثابرة كأسس حقيقية للتقدم، وهو ما جعل الأداء العام للدولة ضعيفاً خلال الفترة الماضية.
وحين نتفق على إعلاء قيمة العمل في الدولة فعلى جميع المؤسسات أن تلتزم بهذه القيمة كأساس لعملها وارتقاء العاملين فيها، وبالتالي يجب أن يشعر الموظف الذي يقوم بعمله ويبدع فيه بالتميز عن زميله الذي لا يرى في عمله إلا فرصة لتضييع الوقت والحصول على دخل أساسي، فإذا قامت المؤسسة بترقية الاثنين معاً فإنها تكون قد قتلت قيمة العمل كفكرة أساسية، وعندها لا نسأل لماذا لا يعمل الأردني في مؤسسات القطاع العام ولكنه يمكن أن يبدع في شركات القطاع الخاص.
وبالتالي فكل مسؤول يقدم موظفاً على آخر بسبب علاقات شخصية أو بسبب تزلف الموظف لهذا المسؤول أو لمجرد ضربة حظ يجب أن يعاقب هذا المسؤول لأنه ساعد على فقدان الثقة بالدولة، ووضع حجر عثرة في طريق تقدم الدولة وقطاعها العام، وقدم مصالحه الشخصية على مصلحة الدولة العامة، فبدلاً من أن يخدم الدولة لتخدمه اختار أن يستغل منصبه لتقوم الدولة بـ(خدمته) ليؤذيها.
ما نحتاجه اليوم هو أن يتولد الشعور لدى الجميع في مواقع القيادة والسلطة أنهم أعضاء في ذات الفريق، فعلى كل واحد منهم أن يسمع الجميع دون تعنت مسبق بالرأي، وعلى الجميع أن يقدم النصيحة الصادقة للآخرين، وأن يظهر التناغم الغائب حتى اللحظة، لأن هذا التناغم هو الخطوة الأولى الصحيحة لاستعادة الهيبة، وإلا فإننا نتحرك بصورة عشوائية لا توصلنا للهدف.
استعادة الدولة لمسارها الواضح البناء يعني أنها كدولة بدأت تستعيد مشروعها، وهو ما يعني أنها بدأت تستعيد شخصيتها المميزة والمتمايزة عن غيرها عبر خلق مجموعة من المصالح العامة والتي تدافع عنها وتحاول تحقيقها وهو ما يعطيها هويتها الخاصة.
عودة الدولة إلى مشروعها يخرجها من حالة التيه، حيث يتوافر للدولة مجموعة من النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنضوي تحت ما يمكن تسميته بـ(مشروع الدولة)، وهو ما يؤدي إلى تشابك المسارات بين المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيخلق حالة حيوية جديدة ومساراً حلزونياً يتصاعد إلى أعلى.
الرأي