تسربت معلومات حول نية الحكومة اتخاذ قرار بزيادة رواتب الوزراء العاملين والمتقاعدين ، من الف وخمسمائة دينار الى ثلاثة الاف دينار ، وعدد الوزراء العاملين والمتقاعدين لدينا ، يقترب من حدود الخمسمائة وزير تقريبا ، اي ان الزيادة الشهرية ستكلف في المتوسط مليونا الا ربعا كل شهر ، اي قرابة تسعة ملايين سنويا ، او اقل قليلا.
في المقابل ، وكما كتبت البارحة تشتد شهية النواب ، لرفع رواتبهم ، الى اربعة الاف وخمسمائة دينار ، لمائة وعشرة نواب ، اي ان الزيادة الشهرية ستكلف الدولة ، تقريبا ، ثلاثمائة وثلاثين الف دينار شهريا ، اي قرابة اربعة ملايين سنويا ، ويضاف اليها رقم اخر يتعلق بعدد النواب السابقين الذين بالتأكيد سيسعون لتعديل رواتبهم التقاعدية ، كذلك ، على ضوء هذه المعادلات الجديدة ، مابين نائب سابق ، او وزير سابق ، او نائب ووزير سابق في الوقت ذاته.
في المقابل يصطف الاف الاردنيين ، على صندوق المعونة الوطنية ، من اجل الحصول على مساعدة شهرية ، ويعمى بعض الاطفال وهم ينتظرون على الدور من اجل الحصول على قرنية ، قيمتها الف وخمسمائة دينار ، ولدينا الاف الاطفال ، ممن لايسمعون وبحاجة لزراعة قواقع الكترونية ، قيمة الواحدة عشرة الاف دينار ، تعيد السمع الى الطفل ، ويتجاوز مئات من هؤلاء عمر الثماني سنوات ، وهو ينتظر فرصة لزراعة القوقعة ، فلا يزرعها ، لوجود دور طويل ، امامه ، فيصبح طوال عمره اصم ، لايسمع ، ولدينا امثلة كثيرة ، حول فقر الناس ، وقد اتصلت بي سيدة من مادبا ، خلال سقوط الثلج ، وهي تبكي ، وهي صادقة لاني اعرف قصتها ، وتصيح حتى خلعت قلبي من صدره ، وهي تقول ان الماء دخل الى بيتها من الجهات الاربعة ، خلال سقوط الثلج والمطر ، مما دفعها لجمع اولادها والوقوف خارج المنزل خوفا من انهدامه ، وحين ارى هذه الارقام ، التي قد تكون اكثر قليلا ، او اقل قليلا ، سيتم سحبها من مال الاردنيين ، لتسمين هذه الطبقة ، اتذكر وجوه الاف الاطفال ، واعرف ان الذي سيقبل زيادة الوزراء والنواب ، هو كمن يأخذ ثمن الادوية والمطاعيم والقرنيات والقواقع ، ويضعها في بطون هذه الطبقة الكريمة ، اعزها الله ورعاها.
من الذي سيعترض على من ، هل النواب سيتعرضون على الوزراء ، ويمنعون زيادتهم ، ام ان الوزراء سيقترحون في مجلس الوزراء ، على رئيس الحكومة ، ان يمون على رئيس مجلس النواب ، لعدم زيادة النواب ، وكم تبقى من الادوار التشريعية والرقابية والتنفيذية ، والفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، اذا تداخلت الادوار وتطابقت الاهواء والرغبات ، وتلاشت التناقضات بين الطرفين ، الى الدرجة التي يعتزم فيها الطرفان الحصول على زيادات في توقيت واحد ، على اساس واحدة مقابل واحدة ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
لا توجد اليات للاعتراض ، ولو فتشنا ملف الاحتياجات الناقصة في بلدنا لوجدناها لاتعد ولاتحصى ، وشعار "ما في فلوس" يقابل كل مواطن في كل مكان ، من مطالبته بتركيب لمبة اضاءة امام باب منزله وصولا الى مطالبته بعلاج ابنه او تعليمه ، يضاف الى ذلك التوجع الرسمي من الديون والتزامات الموازنة ، والمخاوف من الازمة الاقتصادية العالمية ، لكنك تكتشف فجأة ان المال يتوفر حين يكون هناك حديث عن زيادة رواتب هذه الطبقة ، وسط هذه الاجواء التي ينوء فيها المواطن بأحمال ثقيلة ، ولايجد حلا لكثير من مشاكله ، والامر يمتد حتى الى سياسة امانة عمان الانفاقية والبلديات ورؤساء الجامعات ، وتأثيث المكاتب ، وشراء السيارات ، وغير ذلك ، من اوجه انفاق ، يتم بسببها هدر مبالغ مالية هائلة ، على حساب اولويات اخرى ، للناس ، في كل مكان.
موقعا النائب والوزير ، يجب ان لايكونا مجرد "تنفيعة" ، وقد رأيت ذات مرة وزير خارجية مشهورا لبريطانيا العظمى ، يقود دراجته الهوائية في حديقة الهايد بارك ، بعد تقاعده ، فسألته كيف سيعود لبيته ، فقال بالدراجة ، لانها اوفر عليه في المصاريف ، وحين اتذكر هذا المشهد ، اعرف اننا لم نأخذ من تقشف المسلمين الاوائل شيئا ، ولا من تقشف المجتمعات الغربية المتطورة ، شيئا ، وكنا عالما خاصا بنا.
قيل سابقا ان هناك وزراء "ديجتال" ..ووزراء.. "انالوج" ، غير ان المؤكد ان كليهما وزراء بحاجة الى "معونة وطنية".
m.tair@addustour.com.jo