زيارة نائب الرئيس الامريكي للأردن
د. عبدالله صوالحة
10-01-2018 07:39 PM
أعلن البيت الأبيض عن ان نائب الرئيس الامريكي مايك بنس سيقوم بزيارة الى منطقة الشرق الأوسط تتضمن كلا من مصر والأردن وإسرائيل وهي زيارة كانت مقررة الشهر الماضي لكن تم تأجيلها بسبب اعتبارات داخلية أمريكية ( التصويت على قانون الإصلاح الضريبي) وبسبب اعتبارات خارجية ( رفض الفلسطينيين استقبال نائب الرئيس) ,في الأثناء قال جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه برؤساء الكتل البرلمانية هذا الأسبوع "ان الاردن سيتواصل مع الادارة الامريكية في الفترة المقبلة ولا بد ان نعمل للتأثير في اي توجه يتعلق بالمنطقة"
السلطة الفلسطينية من جهتها ما زالت ترفض حتى اللحظة أية اتصالات مع الادارة الامريكية حتى العودة عن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، بينما أوضحت الادارة الامريكية اكثر من مرة ان اعلان ترامب لم يغلق ملف القدس نهائيا وان حدود السيادة الإسرائيلية في القدس تتقرر عبر المفاوضات .
والسؤال هو كيف يمكن فك الاشتباك بين المصالح الأردنية والمصالح الفلسطينية فيما يتصل بعلاقة كل جهة مع الادارة الامريكية بحيث يستطيع كل طرف تحديد مصالحه القومية والسياسية وتبني ما يلائمه من القرارات والاستراتيجيات للتعامل مع تداعيات هذه الازمة .السلطة الفلسطينية هي صاحبة القرار في الذهاب بعيدا في قطع علاقاتها مع الادارة الامريكية من عدمه وهي ادرى بمصالحها السياسية والاقتصادية بهذا الشأن ولا بد ان لديها خيارات وبدائل متعددة تستطيع من خلالها البحث عن وسيط اخر لعملية السلام مع انه مشكوك ان يكون هناك طرف دولي له القدرة على التأثير في عملية السلام اكثر من الولايات المتحدة .
للأردن أيضا مصالحه السياسية والوطنية في الإبقاء على علاقته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لاعتبارات مختلفة جيواستراتيجية وسياسية واقتصادية فقائمة التهديدات والمخاطر التي تجتاح الشرق الوسط لا حصر لها ابتداء من الجماعات الإرهابية المتطرفة ومرورا بالهيمنة الإيرانية وليس انتهاء بالمشاكل الاقتصادية والنمو السكاني والمياه والطاقة والبيئة تلك التهديدات التي ليس للأردن طاقة منفردة على مواجهتا بدون غطاء إقليمي ودعم دولي تقوده الولايات المتحدة.
من منظور اقتصادي المساعدات الامريكية للفلسطينيين مهمة جدا ولكن قدرة الاقتصاد الفلسطيني على التكيف مع قطع او تقليص هذه المساعدات قوية بشكل اكبر من قدرة نظيرتها الاردنية والسبب ان الاقتصاد الفلسطيني مرتبط مع الاقتصاد الاسرائيلي بشكل وثيق ومتداخل تداخلا كليا معه ,فمثلا يبلغ حجم التبادل التجاري بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية 5 مليار دولار سنوبا تقريبا بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بين السلطة الفلسطينية والاردن على سبيل المثال 178مليون دولار لسنة ٢٠١٧، وتدرك اسرائيل ان الأضرار بالاقتصاد الفلسطيني ليس مصلحة إسرائيلية بعيدة المدى ولذا ربما تعارض اسرائيل فرض عقوبات مؤلمة على الاقتصاد الفلسطيني وحتى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو كان قد طالب بالتدرج في العقوبات لمنع انفجار للأوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية ينعكس بشكل انتفاضة ثالثة او تدهور خطير في الأوضاع الأمنية , بالمقابل تبقى مناعة الاقتصاد الأردني على مواجهة التوتر في العلاقة مع الادارة الامريكية ضعيفة جدا وربما معدومة.
من منظور سياسي لا يستطيع احد تجاهل الفلسطينيين ولن يكون هناك أية خطط لتسوية سياسية بدون مشاركة وموافقة الفلسطينيين بحكم وجودهم على الارض وقدرتهم على خلق وقائع جديدة بصرف النظر عن علاقتهم مع الولايات المتحدة وبغض النظر عن الجهة التي ستتولى رعاية المفاوضات ان كانت هناك جهة راغبة وقادرة على ذلك ، بالعكس من ذلك فان الاردن سيفقد دوره وتأثيره في عملية السلام اذا ما تم تجاهله من قبل الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل وبالتالي فان المصالح السياسية للأردن بما فيها الدور الأردني في القدس وترتيبات الوضع النهائي والترتيبات الأمنية على طول الحدود الاردنية الفلسطينية قد تتعرض للتآكل ، فالضامن الوحيد لمصالحنا الاستراتيجية هو علاقتنا مع الولايات المتحدة وبقاءنا احد اللاعبين الرئيسين في مسرح الشرق الاوسط.
الاختلاف في وجهات النظر بين الأردن والسلطة الفلسطينية فيما يتصل بالعلاقة مع الولايات المتحدة لا يمكن ان يكون تناقض او اختلاف في المصالح بقدر ما هو توزيع للأدوار وتحديد للأولويات وتباين في التقديرات واعتراف بالقيود التي تفرضها محددات السياسة الخارجية لأي بلد ، والأردن ليس منفردا في هذا السلوك بل يسير بمعيّة الكثير من الدول العربية التي امتنعت عن اعادة تحديد علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب الموقف من قضية القدس .