-1-
تقول الرواية المصرية عن أصل كلمة الطعمية أو الفلافل أنها ترجع إلى أقباط مصر الذين اخترعوها كطعام بديل للحوم أيام الصيام في الديانة المسيحية. وترجح هذه الرواية إلى أن كلمة «فلافل» قبطية، مكونة من ثلاثة أجزاء: فا، لا، فل، وتعني ذات الفول الكثير. ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، فيقولون إنها تعود إلى عصور الفراعنة.
الرواية الأخرى لأساتذة تاريخ الطعام تقول أن الفلافل ظهرت أولًا في بلاد الشام، وأول من عرفها السوريون في القرون الوسطى، لكن آخرين يؤكدون أنها ظهرت للمرة الأولى في فلسطين وانتشرت بعدها في البلاد العربية كافة.
وثمة روايات أخرى تقول إن موطن الفلافل الأصلي لبنان إلا أن باحثين ومؤرخين قالوا أنها عرفت على يد قدماء المصريين، ومن بعدهم انتقلت إلى أقباط مصر بعد دخول المسيحية، ثم بعد الفتح الإسلامي استمرت بين المسلمين والأقباط كطعام شعبي أصيل ورخيص ومغذ .. ثم انتقلت شمالا إلى سوريا وفلسطين قبل أربعة آلاف عام وأدخل الحمص كبديل للفول في إعدادها.
الخلاف في قصة تاريخ الفلافل قديم، ومتجذر لدى كل من كتب في تاريخ الطعام، لكن يقال أن تاريخ مدينة عكّا الفلسطينية الساحلية ربما يحلّ هذا الإشكال فهي مشهورة بلقبها القديم «أم الفلافل» وهذه الشهرة لا تأتي من فراغ، بل إن فلافل اسم عائلة مشهورة هناك، وما زالت عائلات عكا العريقة تقول إن أصل الفلافل عكاوي كنعانيّ، ثم نقله أهل صور وصيدا الذين كانوا يعملون في سواحل فلسطين إلى لبنان والشام كله!
ومهما يكن من أمر، فكل الخلاف في أصل هذه الأكلة محصور في بلاد الشام ومصر، ومع هذا، لم يستفزني شيء كما استفزني استطلاع رأي حديث لصحيفة عبرية هي يديعوت – نشرته يوم - 29/12/2017، حول أكثر الأكلات «إسرائيلية!» في نظر سكان الكيان الصهيوني، فكان الجواب كما يلي: أجاب 31 في المائة: الفلافل، و13في المائة: الحمص! ولا عجب، ففي سؤال عن الميزة «الإيجابية الأكثر إسرائيلية» قال 42 في المائة أنها الدفء والأبالية ومباشرة بعدها، قال 15 في المائة أن الوقاحة هي الميزة «الإيجابية» الأكثر «إسرائيلية!»
إن من سرق الأرض وما عليها من تاريخ، لا يعجزه سرقة مطبخ أهلها، بل إن هناك شركة «إسرائيلية» فازت بجائزة في معرض مواد غذائية في ولاية نيوجرسي الأمريكية عن إنتاجها الفلافل ووضعها في علب للتصدير على أساس أن الفلافل هى وجبة «إسرائيلية» الصنع، علما أنه لا يوجد في قواميس الطبخ والمأكولات في العالم ما يسمى بالمطبخ «الإسرائيلي».
وقد اعترف أحد الأساتذة اليهود ويدعى (اميال ألكا لاي) وهو أستاذ للثقافة الشرقية بأن الفلافل في الثقافة «الإسرائيلية» هي نموذج للاستيلاء الكامل على أشياء الغير دون اعتبار لأصلها العربي، فلسطينيا كان أو مصريا أو لبنانيا!
-2-
«هي وقفت على الفلافل؟» لا طبعا، خاصة في ذروة اغتصاب الصهاينة للأرض الفلسطينية، وسنهم القوانين المختلفة لتهويدها، وسرقة القدس وتاريخها، وأقصاها، ولكن للفلافل مكانة خاصة عندي، فقد «فطمت» على الفلافل، ولم تزل الأكلة الأثيرة لدي، واصنعها بنفسي حينما أريد أن آكلها على أصولها، وكلما قرأت أو سمعت شيئا عن سرقتها من قبل أعدائنا وأعداء الإنسانية، دب في أطرافي الغضب، فأكلاتنا الشعبية جزء من ثقافتنا وهويتنا الحضارية، وسرقتها لا تقل في استفزازها عن سرقة الثوب الفلسطيني المطرز، وإدعاء «إسرائيليته»!
الدستور