قبل أربع سنوات رحلت عنا الزميلة الصحفية العربية الأمريكية (هيلين توماس) وقبل شهر من عيد ميلادها الثالث والتسعين ..الرائدة في تحطيم الحواجز والمحرمات الصحفية.. وعميدة الصحفيين في البيت الأبيض ولنحو ستين عاما منذ عهد الرئيس جون كندي مروراً بالرؤساء نيكسون وريغان وكارتر.. وانتهاء ببوش الابن وكلينتون وباراك حسين أوباما..!
وبهذه المناسبة الحزينة وتقديرا لها في مهنة المتاعب والمشاق هذه ارجو من زملائي الاردنيين والعرب هناك في واشنطن ان يضعوا باقات الورود على ضريح هيلين الطاهر المقدس !
جرأة الصحفية (هيلين توماس)معروفة ومشهورة .. فأثناء إجابتها عن سؤال وجه إليها من قبل الحاخام اليهودي (نيز يانوف) كان يزور الولايات المتحدة في تلك الأيام مفاده: أين سيذهب اليهود إذا أُلحقت هزيمة بإسرائيل في حرب قادمة..؟! فأجابت هيلين أَخبر الإسرائيليين بأن يخرجوا من فلسطين ويعودوا إلى بلادهم وأوطانهم الأصلية في ألمانيا وبولندا والولايات المتحدة وغيرها.." مضيفةً:" فلسطين لأهلها العرب الذين عاشوا فيها قبل أكثر من خمسة آلاف عام..، لماذا تُرسلون اليهود إلى فلسطين لتقتلوا شعباً عاش هناك قروناً عديدة.. الإسرائيليون محتلون ومجرمون..!
لم تخشَ (هيلين) لومة لائم، وكأي صحفي ملتزم عليه أن يقول الحقيقة كل الحقيقة ومهما كانت العواقب والنتائج.. قام الحاخام بنشر ما دار في اللقاء فثارت ثائرة أمريكا ضدها واتهمتها بمعاداة السامية.. فوق ذلك (أُجبرت ) على التقاعد على الرغم من أنها عميدة الصحفيين في البيت الأبيض. وقامت الدنيا ولم تقعد في البيت الأبيض وفي اكثر من مناسبة وقال روبرت غيت الناطق باسم البيت الأبيض: "إن تصريحاتها تستحق العقاب والتوبيخ.."!
واجهت (هيلين) كل هذا الهجوم بصبر وثبات وكما عرفها زملاؤها الصحفيون في البيت الأبيض على مدى ستين عاماً منذ عهد الرئيس جون كندي إلى عهد الرئيس باراك أوباما. وردت هيلين الصاع صاعين لأعدائها فقالت: "اليهود يسيطرون على البيت الأبيض والكونغرس فلا يمكن لأحد أن ينتقد إسرائيل ولا يعاقب كيف يقولون إنني معادية للسامية وأنا من أصول سامية عربية، لقد قلت الحق كله وأنا مدركة تماماً أنني سأدفع الثمن.. أنا ضد الإرهاب والعنف الإسرائيلي وأتمنى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم في وطن لهم وحدهم في فلسطين وطنهم الام"!
تميزت الصحفية (هيلين) بأسئلتها الجريئة والمحرجة والموجعة للرؤساء الأمريكيين والناطقين باسمهم أيضاً.. فقد قالت للرئيس الأمريكي بوش الابن: "إنك أسوأ رئيس أمريكي.." لقد فشلت في كل المجالات، لقد قمت بغزو (العراق) بلد لم يفعل لأمريكا شيئاً، وأحرجت الأمريكيين بفظائع التعذيب ووضعت العراقيين في السجون دون تهم وبدون محاكمات لسنوات، إنه طغيانٌ ووحشية..!
وفي احدى المؤتمرات الصحفية سألت الرئيس بوش الإبن:" تقول لنا إن الحرب على العراق ليست من أجل النفط وليست من أجل الدفاع عن مصالح إسرائيل فلماذا تذهب إلى الحرب إلى بلد يبعد عن أمريكا أكثر من عشرة آلاف ميلا..؟!
وقالت عن الرئيس باراك أوباما: إن لديه ضميرا حيا ولكنه من دون شجاعة..! وسألته ذات يوم: ما رأيك بالقنابل الذرية الإسرائيلية!؟ كم عددها؟؟ ولأي هدف وجدت ؟! فيجيب أوباما: أرجوكِ.. لا أريد أن أدخل في هذا الموضوع.. ولو عاشت الزميلة هيلين حتى. هذه الايام للقنت.الرئيس ترامب درسا لن ينساه ابدا طيلة حياته...!
عروبة (هيلين توماس) واضحة من آرائها رغم أنها لم تعرف بلدها الأم لبنان وولدت بعيدة عنه في أمريكا عام 1920 التي عاشت طفولتها وشبابها فيها.. إلا أنها طالما أكدت اعتزازها بأمريكا قائلة : (إنك تعيش في بلد عظيم.. وبجهدك تستطيع أن تحقق كل ما تصبوا إليه؟!)
بحق وحقيقة فقدنا قبل اربع سنوات نحن معشر الصحفيين في العالم صحفية شجاعة ..وجارحة أيضاً عملت بمهنية عالية ومميزة كما رفضت أن تكون بوقاً لأي كان سلطة حكومية أو حزباً سياسياً أو شخصية نافذة، ولم تسجل عليها أي مخالفة مهنية على مدى ستين عاماً من عملها اليومي الشاق والمتواصل وفي عمر متأخر كثيراً..!
هيلين توماس أيتها الصحفية الشجاعة سلامي الى روحك الطاهرة الوثابة.!
odehaodeha@gmail.com