قرأت ذات يوم في مرآة الدهر نداء ينادي: (يا طلاب الرياضيات، حققوا مبدأ التكامل بين الطبقات، وألغوا التفاضل بينها).
يبدو أن التفاضل والتكامل هما إحدى متناقضات هذه الدنيا التي تحتضن في زمانها حياة جدل، تعيش فيها المتناقضات (المتقابلات) في حركة جدلية سماها فلاسفة عصرها: ديالكتيك.
فإذا كان بدر شاكر السياب قد تغنى بجدلية الحياة في قصيدته الرائعة: (أنشودة المطر) لا بل اضطر لقلب نواميس الكون بكلمات تقول: (دفء الشتاء فيه وإرتعاشة الخريف) ليرسخ في أذهاننا مقولة أن الحياة جدل، حيث (الشتاء) نفسه فصل زمان من المتناقضات، فماذا تقول يا صديقي مجهول إذا قلت لك بأن الحياة غنية بالفقر الغني وأن اليأس أول درب الأمل؟ وما رأيك بقول جبران خليل جبران: ( أنت أعمى، وأنا أصم أبكم، إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر)؟ لربما تقول لي: (هذه هي الدنيا: حياة وموت، ولربما أقول لك حينها: هذه هي الدنيا: حياة قبل مو، وموت قبل حياة.
لذلك أعتقد بأننا يجب أن ندرك مقولة أن الحياة جدل؛ فالجن يقابله الإنس، والشيطان يقابله الملاك، والذكر تقابله الأنثى، والظل يقابله الضوء، وقس على ذلك الكثير من الأمثلة التي تعطينا انطباعا عن الحياة بأنها جدل، حتى علم الرياضيات نفسه لهو علم أضداد برأيي؛ فالضرب ضديده القسمة، والجمع ضديده الطرح، ومع إنني احترت طويلا في رقم (صفر) حيث لا يوجد عدد يناظره مثل بقية الأعداد، إذ إن كل عدد موجب يناظره عدد سالب، إلا أنني وجدت (الصفر) نفسه جدلا ذلك أنه ليس أصغر الأعداد ولا أكبرها، وما كان نقطة بداية أو نهاية لخط الأعداد.
مع هذا أسألك صديقي مجهول: مدة أن لكل شيء ضديد حتى أن الإلكترون في علم الطبيعة له ضديد هو البوزيترون، فهل يوجد ضديد لله تعالى خالق الأضداد؟ لربما تجيبني قائلا: (هذا كفر)، ولربما أقول لك حينها: هذه إحدى صفات الخالق الذي لا شريك له ولا ضديد له، فلو كان له ضديد لكانت هناك كتب سماوية ضديدة للقرآن والإنجيل والتوراة، ذلك أن الله إله لا يمسه تكامل أو/و تفاضل.
إن تلبية ذلك النداء شيء صعب، ولربما كان مستحيلا، فلو يتحقق التكامل بين الطبقات، ويلغى التفاضل بينها، تكون نواميس الكون قد قلبت، ويكون أحد الأضداد قد ألغي، فيبقى شيء واحد لا ضديد له غير الله تعالى هو التكامل الذي دعت إليه كتب عدة كان أبرزها كتاب المدينة الفاضلة للفارابي، ودعا إليه ابن مريم في تطويباته والمصطفى في أحاديثه، ومن قبلهما سقراط في حواراته البناءة ، لكن ذلك لم يكن ذو جدوى ذلك أن الحياة جدل، فإذا سعينا إلى التكامل سعى غيرنا إلى التفاضل.
صحيح أن التكامل الذي نسعى إليه بين الطبقات في هذه الحياة هو شمعة تحترق من أجل حياة افضل لكنها سوف تنطفئ ذات يوم حيث تكون قد احترقت كليا.