يحثنا التيار العريض للميديا على قراءة كتاب «نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض» لمايكل ولف. صارت نُسخ الكتاب الذي نفدت طبعته الأولى فور وصولها إلى رفوف المكتبات، تنهال على القراء المحتملين من خلال بريدهم الإلكتروني وتطبيقات الاتصالات. نُسخ مقرصنة وأخرى وجدت من ترجمها آلياً إلى اللغة العربية ووزعها على من اعتقد برغبتهم في القراءة.
لكن قبل الانتهاء من قراءة الكتاب، أو حتى البدء بها، لا بد من جملة أسئلة عن سرّ هذا النجاح الكبير في زمن عزّ فيه القارئ واشتكى الناشر من صعوبات الترويج والطباعة ومنافسة وسائل التواصل للكتاب بصيغتيه الورقية والإلكترونية التي تتعرض لحملات قرصنة فور وصولها إلى شبكة الإنترنت كما رأينا مع كتاب مايكل ولف، وعن الجمهور الذي يتوجه الكتاب إليه.
يقول الكاتب الأميركي حميد دباشي الذي يعتبر من أبرز ممثلي المدرسة ما بعد الكولونيالية أنه أضاع ساعة من وقته في تصفح هذا «الخداع» ويضيف على صفحته على موقع فايسبوك أنه باستثناء بعض التفاصيل المثيرة للأحاسيس، لا يقدّم موضوع الكتاب شيئاً ملموساً إلى الحقائق المعروفة والتي أُنهكت بحثاً طوال عام ترامب الرئاسي الأول. بل يذهب أبعد من ذلك إلى القول إن الكتاب «يشكل جزءاً من ثقافة الإنكار والإلهاء الرامية إلى تجاهل الواقع البسيط وهو أن الديموقراطية الأميركية من قمتها إلى قاعدتها تشكل خطراً على هذا الكوكب».
لعل أحد جوانب الاهتمام المفرط بالكتاب الذي حمل شتائم صريحة من بعض أقرب مساعدي ترامب له ولعائلاته ناهيك عن الانتقاد الشخصي والموضوعي لكيفية إدارة البيت الأبيض في العام الماضي، هو جانب التلصص على المشاهير وأصحاب السلطة. وما دامت أكثرية المواقف والأحداث معروفة لكل متابع عادي للشأن الأميركي، من الخلافات داخل الإدارة بين كبار المسؤولين وظهور أخبار الإطاحة بهم في الصحافة قبل أسابيع من صدور القرار الرسمي من البيت الأبيض، ناهيك بتغريدات ترامب المذهلة وتركيزه على المناكفات والمهاترات على نحو غير معهود من رؤساء الدول الكبرى، ما دام كل ذلك معروفاً، فلماذا «نجح» هذا الكتاب فيما تمرّ كتب رصينة تتناول السياسات الأميركية، الداخلية منها والخارجية، من دون إثارة جزء ضئيل من الضجة التي أثارها «نار وغضب»؟
الأرجح إنها لعبة التلصص على المشاهير، كما أسلفنا القول، وفي حالة عائلة ترامب المشاهير الذي يدخلون عالماً غريباً تمام الغربة عنهم، عالم السياسة والديبلوماسية وما ينبغي أن يرافق العيش في العالم هذا من اهتمام بمعاني الألفاظ وحدتها والمظاهر واتباع قواعدها وتلاؤمها مع الثقافة العامة الخ... ولا ريب في أن ترامب بشخصيته وخلفيته كبليونير عابث وبعائلته والأشخاص الذين اختارهم للمواقع القيادية في الإدارة، قدم لولف ولكل الراغبين بمتابعة المشاهير والسياسيين، مادة غنية ومجانية. فالواقع أن القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي، ومنها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، لا تنم عن جرأة على ما حاولت الإدارة التسويق له بمقدار ما تنم عن رغبة في جذب الأنظار وافتعال الضجة وهما التعريف الوحيد الذي يعتمده ترامب للسياسة، على ما يبدو.
بكلمات ثانية، يصب هذا الكتاب الماء في طاحونة آلة دعاية ترامب وعتاة اليمين الجمهوري الراغبين في جعل السياسة استعراضاً شعبوياً يفوز فيه صاحب الصوت الأعلى والقبضة الأقوى والجمهور الأكثر تعطشاً إلى الفضائح، وينكفئ فيه أصحاب المشاريع والرؤى ودعاة التغيير عبر صناديق الاقتراع على أساس المصلحة العامة. ويندرج «نار وغضب» في خانة كتب الإثارة المباشرة المضمونة الربح.
الحياة اللندنية