سهام العدالة الدولية .. الى قلب المنطقة العربية
مالك نصراوين
03-03-2009 03:58 AM
حدثان فريدان من نوعهما ، تشهدهما المنطقة العربية مع بداية شهر آذار الحالي ، الا وهما ، انطلاق المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري ، رئيس وزراء لبنان الاسبق قبل ثلاثة اعوام ، والقرار المنتظر من محكمة الجنايات الدولية ، بحق الرئيس السوداني عمر البشير ، يوم الرابع من الشهر الجاري ، بسبب ما يقال عن مجازر ارتكبها الجيش السوداني في اقليم دارفور ، والمتوقع ان يكون قرارا بادانة البشير ، وبالتالي ملاحقته .
الفريد في الحدثان ، انهما يتعلقان بعدالة دولية تطبق في المنطقة العربية فقط ، ، وهما من الاحداث النادرة الحدوث ، الاول يتعلق باغتيال رئيس وزراء ، والثاني بادانة رئيس جمهورية على رأس الحكم ، ولكل منهما ستكون له انعكاساته المختلفة داخل قطرين عربيين ، وهما مبعث الاستغراب لاسباب عديدة .
اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري ، هو عمل مدان وطنيا وقوميا وانسانيا ، وهو ايضا اسلوب مرفوض ، في التعامل بين اصحاب رأي معين واصحاب الرأي الاخر ، يؤكد ليس فقط غياب الديمقراطية الحقيقية ، بل سيادة شريعة الغاب ، ورغم احترامنا وتقديرنا للراحل الكبير ، ومكانته البارزة لبنانيا وعربيا ودوليا ، فان سؤالا اثير من قبل الكثيرين ، عن سبب الاهتمام الدولي فقط بهذا الاغتيال ، رغم القائمة الطويلة من ضحايا الاغتيال في لبنان ، سواء من الزعماء الذين تطول قائمتهم ، بدءا من كمال جنبلاط ، ومرورا بالرئيس المنتخب بشير الجميل ، والرئيس رينيه معوض ، ورئيس الوزراء الاسبق رشيد كرامي ، والكثير من الزعماء اللبنانيين الاخرين ، سياسيين ودينيين ، حتى اخر نائب كان ضحية لسلسلة الاغتيالات في السنوات الاخيرة ، لقد كان من العدالة ايضا ، ان تتم محاكمة كل من ارتكب جرائم ضد المدنيين الابرياء ، الذين لا بواكي لهم في المجتمع الدولي ، منذ بداية الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 ، اما ان كان الامر يقتصر ، على الاغتيالات التي تمت بعد بسط الدولة اللبنانية سيطرتها على ارضها ، ودخول لبنان مرحلة السلم الاهلي ، فان القائمة ايضا تطول .
بجميع الاحوال ، فاننا نأمل ان تكون هذه المحاكمة مهنية وليست سياسية ، وان لا يكون لها تاثيرات سلبية ، تعمق العداوات ، وتحقن النفوس بالحقد ، وان تكون الحقيقة هي الهدف ، وليس الانتقام .
اما الحدث الثاني ، والمتعلق باحتمال اصدار مذكرة توقيف ضد عمر البشير ، فان هذا الحدث ايضا يثير الغرابة ، لانه يحدث لاول مرة ضد رئيس على راس السلطة ، وفي المنطقة العربية ايضا ، فلو كان الامر يتعلق بمبدأ العدالة للجميع ، وبمعاقبة مجرمي الحروب والاغتيالات في كل العالم ، لقلنا ان كل ديكتاتور ينتهك حقوق شعبه ، ويرتكب ابشع جرائم القمع والابادة ضده ، يستحق مثل تلك الاجراءات الدولية ، لكننا نرى في الامر انتقائية ، هذا ما حدث مع الرئيس الصربي الاسبق ميلوسوفيتش ، وما حدث ويحدث في المنطقة العربية ، بدءا من الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومرورا بالرئيس البشير ومن سيتبعه ، وكأن العالم اصبح بحيرة سلام ساكنة وادعة هادئة ، لا يعكر صفوها الا العرب والصرب .
قضية الرئيس السوداني هذه الايام ، تؤشر الى الخلل في بعض انظمة الحكم العربية ، فالسودان لم يحقق الاستقرار منذ اواخر الستينات بعد انقلاب جعفر النميري ، وكان اخر انقلاب قاده الرئيس الحالي عمر البشير ، الذي انقلب لاحقا على رفيقه المنظر السياسي الدكتور حسن الترابي ، فاودعه السجن لاكثر من مرة ، وهو ما زال يرتدي البزة العسكرية التي تعني الحكم العسكري ، البعيد عن الديمقراطية ، وهو الان ليس في مرمى المجتمع الدولي فقط ، بل الاخطر هو سهام الداخل ، سهام المعارضة المقموعة ، التي تنتظر الفرصة لتسديد الحسابات مع البشير .
m_nasrawin@yahoo.com