منع إشهار مشروع حزب التحالف المدني
د. محمود عبابنة
07-01-2018 02:51 PM
البناء القانوني للدولة المدنية والتي رسم ملامحه الدستور الأردني بمبادئه السامية، وما أكدته الأجندة الوطنية لا يخرج الأردن عن واقع تصنيفه أنه دولة مدنية، ولكن الواقع لا يعكس أننا دولة مدنية بامتياز، فهناك كثير من النقاط الداكنة في صفحة الدولة المدنية، ومن أهمها وجود بعض التشريعات التي لا تنسجم مع مكنون فلسفة مدنية الدولة، ومثالها قانون منع الجرائم الذي يمور بالعبارات المبهمة والتقديرية المتعلقة بحرية الفرد، وربط ذلك كله بسلطة وتقدير الحاكم الإداري، وقانون الحصول على المعلومات الذي سقط من اسمه كلمة عدم أو منع الحصول.
هذه القوانين بحاجة إلى بحث مسهب لا يتسع المجال لمناقشة تجاوزات تطبيقاتها على مفهوم الدولة المدنية الحداثية، إلا أن الوصول إلى الدولة المدنية بمفهومها النظري والعملي ليس مستحيلاً أو صعباً فتعزيز ثقافة الحوكمة، ووجود الارادة السياسية كفيلة بوضع قطار الدولة المدنية على خط سيرها الصحيح وقد كان لصدور الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، أكبر الأثر في نشر موجة عارمة من التفاؤل بأن اكتمال مربع الدولة المدنية كاملة الأوصاف قادم لا محالة إذا خلُصت النيات، وتم تجاوز الثغرات، والعراقيل.
إلا أنه وعلى أرض الواقع فإن مفهوم الدولة المدنية وحملة المناداة بها تتعرض لانتكاسات متكررة من حين لآخر، وتتمظهر هذه الانتكاسات بين ما نسمعه من أقوال وما نراه من أفعال، فعندما نرفع شعار احترام كرامة المواطن يتعرض الأستاذ الجامعي الرمثاوي إلى التنكيل والإهانة بلا سبب، وعندما نرفع شعار الشفافية لا نستطيع الحصول على أي معلومة بحجة السرية، وعندما نرفع شعار تكافؤ الفرص ونعلن عن منافسة عامة لمنصب حكومي يقوم من يستثني كل المتقدمين ويتم تعين موظف على مزاج المسؤول، والأمثلة عديدة لكن آخرها هو منع تجمع لإشهار حزب أو التحالف الوطني الذي ينادي بالدولة المدنية، دون إبداء الأسباب لندخل في دهليز التخمين مرة، بحجة عدم الحصول على الإذن أو الخوف مما قد ينتج عن هذا التجمع، رغم أن قانون الاجتماعات العامة الجديد المعدل لعام 2011 لا يتطلب الإذن المسبق بل يكتفي بالإشعار للجهات الرسمية، والعبرة من ذلك ضمان قيام أجهزة القانون بفرض التدابير والإجراءات الضرورية للمحافظة على الأمن والنظام وحماية الأموال العامة والخاصة، فهل كان من المتوقع من تجمع يضم نائب رئيس وزراء سابق ونائب برلماني وكلاهما أقسم على الإخلاص للوطن والملك والمحافظة على الدستور أن يقودا تجمعاً لتهشيم المحلات أو السيارات، المادة السابعة من قانون الاجتماعات العامة لم تمنح الحاكم الإداري سلطة استباقية لمنع تنفيذ الفعاليات، واقتصرت صلاحيته على فض التجمع إذا رأى بأن مجرياته قد تؤدي إلى تعريض الأرواح والممتلكات العامة للضرر أو الاعتداء، وهذا ما أكده تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي صدر في العام الماضي.
ماراثون السعي لتحقيق مفهوم الدولة المدنية ليس مستحيلا على ضوء مبادئ الدستور والتشريعات الوضعية، وان كانت بحاجه الى إعادة النظر والمراجعة ولكن المشكلة تكمن في التطبيق العملاني لنصوص القانون على ضوء إتيان التجاوز لمبادئ وقيم الدولة المدنية من خلال النصوص القانونية الرخوة او العبارات غير محددة التعريف مثل وفق مقتضى القانون ..... أو.... إلا بأمر قضائي، أو... ما لم تكن مخالفا للنظام العام، وهذا الأخير من الصعب أن يتم ضبطه بتعريف محدد له، والذي من الممكن مده وجزره حسب مصلحة الإدارة أو السلطة أو الدولة.