يتسلم أوباما أميركا أقلّ قوّة في الواقع وفي عيون العالم، لكنها بالقيادة والخط الجديد ستكون أفضل تأثيرا. بالاستماع الى خطاب أوباما حول خطته للعراق وسياسته في المنطقة يمكن أن نتخيل حضورا أميركيا من طراز مختلف يعيد جاذبية وبريق أميركا أواخر الحقبة الاستعمارية الأوروبية. وللمفارقة فإن قضيّة الديمقراطية في المنطقة ستكسب زخما حقيقيا مع الإدارة الجديدة لأوباما مع انها لم تطرح على عاتقها مشروعا من طراز "الشرق الأوسط الديمقراطي" الذي ارهبت به ادارة بوش أنظمة المنطقة، فالإدارة الجديدة بذاتها مثلت أعجوبة ديمقراطية تبثّ سحرها وستكون حسّاسة في علاقتها العملية مع مختلف الدول لأداء الأخيرة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وستفعل ذلك من دون غطرسة وفظاظّة من يريد فرض نموذجه على الآخر.
القوّة الاقتصادية والعسكرية فقدت مهابتها بفعل استخدامها المتهور، مثل إشعال حربين (العراق وأفغانستان) والاستعداد لاثنتين أخريين (سورية وايران) من دون مبرر مقنع مثل الدفاع عن حقوق أو مصالح مهددة، وقد ثبت أن القوّة العسكرية وحدها تستطيع أن تهدم فقط وليس أن تبني جديدا, وهو ما يعني هدر القوّة والحطّ من مكانتها، وقد توج هذا الهدر في نهاية حقبة بوش الابن بالانهيار المالي والاقتصادي، فتراجعت قوة ومكانة أميركا، واحتاجت بالفعل الى تغيير راديكالي في القيادة.
يحذر كثيرون من الرهان على شخص أوباما باعتبار ان السياسة الأميركية محكومة لمؤسسات ومصالح أكبر من الرؤوساء وهذا صحيح، لكن ثبت أن الاشخاص قد يقودون ادارة مؤذية للمصالح نفسها، بوش الأب أدار التدخل بحذر وحكمة أكثر، لكن الابن مع المحافظين الجدد ذهب بسياسة التفرد والغطرسة الى الحضيض، والآن تعترف الادارة الجديدة بالحقائق وتريد الشراكة والتفاهم على اساس "الاحترام والمصالح المتبادلة"، وقد عرض أوباما سياسة ستكون لها مفاعيل جديدة في المنطقة؛ اذ تعيد المسؤولية الى القوى المحلية أمام شعوبها ابتداء بالعراق الذي سيشهد انهاء التدخل العسكري وإحالة المسؤولية كاملة للقوات العراقية في آب السنة المقبلة، واستكمال الانسحاب التامّ في كانون الأول 2011.
السياسة الجديدة ستعيد مسؤولية طهران أمام جيرانها وأمام شعبها بدل مواجهة مع الولايات المتحدة ترهن المنطقة لزعامة إيران، وبالعكس فالاعتراف بها كقوّة اقليمية سوف يعيد فتح الحساب حول التوازنات والمصالح والمخاوف العربية التي على ايران البحث عن تسويه مقنعه معها، وكذا الحال مع سورية.
لعل الوضع الجديد الناشئ لعب دورا في تسريع المصالحة العربية التي نرى فصولها اليوم بإرادة متبادلة من الاطراف كلها، وستنعكس كما نرى على المصالحة الفلسطينية حيث تسود من الجميع نظرة أكثر واقعية تقوم على القبول المتبادل والشراكة. التطورات تؤثر على سلوك جميع الأطراف والجميع يتقدم الى منتصف الطريق، ومن المرجح في هذه الأجواء أن يتراجع استقطاب التطرف الايدولوجي وعودة أولويات الإصلاح والديمقراطية محليا.