أن تكون أباًَ لأوّل مرّة، فالفرحة غامرة بأنّه صار لديك إمتداد في الحياة، وأن تكون جَدّاً فالفرحة أكبر باعتبارك قد ضربت جذوراً في الأرض، أمّا أن تكون أباً وأنت في الحادية والعشرين فيعني أنّ إبنتك ستكون في يوم غير بعيد صديقتك، وأن تكون جَدّاً وأنت في الخمسين فيعني أنّ حفيدك سيكون إبنك، فليس أغلى من الولد، كما يقولون، سوى ولد الولد.
ولكنّ تلك البنت الصديقة ليست معك لتقبّل جبينها، وتحيطها بالحبّ والرعاية، وذلك الحفيد الأوّل ليس معك لتداعبه، وتلاعبه، وتتحسّس جسده لترى ماذا تركت لديه الوراثة منك. فأولادنا ليسوا لنا، ويبدو أنّ أحفادنا ليسوا كذلك، ولا تكفي صورته وصرخته الإحتجاجية الأولى، تصلك فور ولادته عبر البريد الالكتروني، لتملؤك بالدفء والحنان، ولا يكفي صوت إبنتك يصلك بالهاتف ليشعرك بأنّك معها في لحظة تاريخية لا تتكرّر أبداً.
البنت صارت أميركية حتى قبل أن تطأ قدماها الولايات المتحدة، والحفيد صار أميركياً حتى قبل أن يولد، وسيحمل إسماً عربياً ولكنّه سيُحرّف بالضرورة حتّى لن تعرف له أصلاً، وقد يصرّ والداه على تعليمه العربية، ولكنّ الحياة ستأخذ منه اللغة، ومع ذلك، في كلّ الأحوال وكما جرى مع غيره فتستظلّ فلسطين في خلفيته الوطن الأمّ.
والغريب الذي تحمله لنا الدنيا هذه المرّة كبير، فالحفيد يولد في وسكونسين، والأب ولد في شيكاغو، الأم وُلدت في عمّان، والجدّ للأبّ في يافا، والجد للأمّ في القدس، أمّا آباء الأجداد وأجدادهم فولدوا في يافا أيضاً، وهكذا فماذا سيحمل الحفيد في دمه وخلاياه من بقايا التنقّل والتشرد الطوعي مرّة، والإضطراري مرّات.