عندما يزهر شجر اللوز في شرقها هنا يزهر في غربها هناك.عندما ينعقد ثمر اللوز والخوخ والمشمش هنا؛ينعقد هناك.عندما تحمل غيوم السّماء هناك من بحرنا بأجنّة من نور من رحمة من مطر من رحمة غسولًا طهورًا,تزخّ ترخّ هنا خيرا وبركة قمحا وشعيرا وزيتا وزيتونا.عندما تغضب السّماء هناك لحدث ألمّ بالخلق من غادر ناكر حاقد معتد غاصب، تغضب السموات هنا,تئنّ تثور تفور. عندما يغني العندليب وتصدح الطيور هنا تتفتّح كلّ الورود هناك.عندما يئنّ طفل تئنّ كلّ الأطفال هنا و...هناك,وعندما يجرح كفّ فتى قاوم المخرز هناك...يسيل الدّم من كلّ أكفّنا هنا.
عندما يؤذّن المؤذّن تقرع أجراس الكنائس ونواقيسها هناك..نشمّر عن أذرعتنا هنا,نتطهّر ونذهب ألى فيافينا وحقولنا مساجدنا كنائسنا لنصليّ في أيّ مكان كلّ مكان فقبلتنا واحدة ونداء الصلاة واحد في مدينة محمّد وعيسى...هناك.عندما يفيض الأردن النهر الأزلي يفيض يسيل يعمّ الخير هنا وهناك،تزهر الحقول ترقص اليعاسب تتثائب وتسعى ديدان الأرض والعناكب وكلّ رضيع من ثدي،تلتقط الحَبّ والحُبّ طيور سماء واحدة لا حدّ لها إلّا البحر الأبيض هناك،بل وتتعدّاه إلى حيث تغفو الشّمس بعد عناء. الشّمس في دنيانا تتعب,لكن عندنا هنا وهناك...لا معنى للتعب لا معنى...للعناء.
ألجبال ذات الجبال والسهول الحقول الشّجر الحشر والحجر والبشر.الوجوه ذات الوجوه.الشمس والقمر والنجم والسّحر وكسوف الشمس وخسوف القمر يحدثان في وقت واحد زمن واحد لحدث واحد,فالخطوب نفس الخطوب والأنّات الآهات والضّحكات،البهجة وانشراح الصّدر أو أنقباضه يحدث متوافقا متزامنا في عين اللّحظة ونفس الزّمن والزّمان. ألأسماء الألقاب والأنقاب واحدة,تحتار من ينادي من ومن يقصد من ومن يردّ على من!كلّ يرد وكأنّك تنادي الخلق جميعا ,فالصوت واحد صوت الفرح والتّرح والأستغاثة والغضب والزّجر والزّئير.القلب واحد والنّبض واحد وشهيق الأمل وزفير الغضب والالم والتّافّف واحد,والكبد ذاته بل وكلّ أوردة وشرايين الدّم ومجاري التّنفّس والحياة والأمل واحدة...واحدة.حتى بياض البحر هناك وهدير أمواجه تصلنا هنا بعيدا من هناك،تلطّف أجوائنا وتثير حماسنا وأشواقنا والتّأسي في قلوبنا بل ونستحمّ نتطهّر في بركات أمواهها.يمخر في عبابه أطفالنا وفتياننا سفنهم ذات الشّراع نفس الشراع من عهد عيسى العوّام.
عندما تسيل الحواري والأحواش والسّبل والطّرقات بسيول من بشر هناك تصل بهجزها ورجذها وندائها والتّغني بالوطن هنا.تتعدّى السّيول كلّ الجسور والحواجز ،تدفع تهدم كلّ الموانع والكمائن والمتاريس والدّسر والدّشم والجنازير وخوار الدّباب وتسبق صوت الرّصاصة والشّعاع أنتصارا ومؤازرة وشعورا بالفرح بالألم بالوجع بالغضب للحدث هنا أو هناك.عندما يقف العربيّ هناك في الغربيّة على قمة من جبل أو فسحة من شاطئ أو شرفة مئذنة أو برج كنيسة إذ تلوح هامته,إذ يلُوح يلوّح بأشارة من يده،يراه يستقبلها هنا يتفاعل معها بكلّ الشوق واللهفة أخيه أبن عمّه من على ذرى جبال الشّرقيّة هنا.
حتى ألوان البيارق الأعلام واحدة,يجمعها نشيد واحد رمز واحد قسم واحد:بيض سود خضر حمر مواضينا,ترفرف على السّواري وفوق هامات الرّجال وفي أيدي الصّبايا والفتيان والشّيوخ في كلّ حدث.نفس الرّفيف نفس الخفقان نفس علوّ الهامة و صوت النّداء.الأناشيد يصدح بها شبابنا وأطفالنا ليل مساء وفي كلّ حدث كانت منذ نعومة أظفار جدودنا وأسلافنا، هي هي فيهم وفينا حتى أشتداد عودنا وأحفادنا.
لا فرق بين هنا وهناك.لا فرق في الشعور في الأحاسيس هنا وهناك.فعندنا هنا هو عينه(عندنا)هناك،وعندهم هناك هو عينه (عندهم)هنا. وما الغريب في ذلك:ألم يكن العندان. بل كلّ العنود..(عندًا واحدًا)!!!؟
mbyaish@gmail.com
الرأي