ما بين عامين يستمر المسير في النفق المظلم التي أملته علينا ظروف صعبه أجبرتنا على رحله طويله من الشقاء والمعاناة منذ عقود، وكان العام الأخير فيها فارقاً وحاسماً لبعض الأمور، وفتح أسئلة مشروعه للعام الجديد.
فتح العام الجديد أبوابه على اقتصاد أردني مثقل بالديون الخارجية والداخلية، وارتفاع في أسعار السلع بمختلف ألوانها وأشكالها ، وحجم مساعدات خارجي لا يتناسب مطلقاً بما بذله الأردن خلال سنوات الازمه في الجوار، وتهديدات مبطنه بضرورة مماهاة الموقف الأمريكي في حلحلة ملف الصراع العربي الصهيوني المتعثر والذي يبدو ان وعد ترامب بنقل السفارة والذي رافقه قرارات صهيونيه ضاغطه بضم أراضي جديده من أراضي فلسطين الى دولة الكيان المزعوم، وقرارات أخرى من الكنيست بالتضييق على الاسرى الفلسطينيين المقاومين والتهديد بصدور قرار بإعدامهم من قبل كيان يعتقد ان من قاوم ما يقرب من قرن ضد وجوده على أراضيه ومن قبله بريطانيا التي لم تكن تغب الشمس عن إمبراطورتيها يمكن ان يرهبه الموت، وهل هناك من حياة تحت الرماد والخراب والتهديد والقمع والتشريد والتهويد؟.
لقد كان القرار الأردني الحازم بالوقوف الى جانب الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ورفض الاملاءات الامريكية والاصابع الخفية الضاغطة عنواناً بارزاً لنهاية العام وبداية العام، وانتهى على لقب يستحقه الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله بحامي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تقديراً لدوره الحكيم والحازم في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس فاعترف له القاصي والداني بهذا الدور الرائد.
ذكرني حال العالم اليوم ونحن نمر في نفق العام 2017مــ نحو العام الميلادي 2018، ما جاء في مقدمة العلامًة عبد الرحمن بن خلدون فيما رواه المسعودي في أخبار الفرس عن الملك بهرام و الموبذان وهو رجل الدين عندهم أن بهرام سمع بوماً، فسأل الموبذان عن قصدها ، فقال الموبذان : إن هذا بوماً يخطب أنثى ، فطلبت منه مهراً لها قدره مئة قرية خراب ، فقال لها الذكر : اطمئني ، إن استمر حكم الملك بهرام فسأقطعك ألف قرية خراب . وحين سأل الملك عن قصد الموبذان، قال: إنك نشرت الظلم في بلادك وضيعت العدل حين أقطعت الأراضي لخاصتك، فانصرف الناس عن الكسب لانعدام العدل، فخربت البلاد، وضعف الجيش، وطمع في ملك فارس من جاورهم، ثم إن الملك فطن لذلك فنشر العدل، فصلحت الدولة، وازدهر فيها العمران.
إنَما ذكرت هذه الحكاية وأنا أرى استشراء الظلم وغياب العدل في هذا العالم الذي غدا غابة تسكنها الذئاب وتحكم بها الغيلان ، فمن غيلان التسلط والاحتلال ، إلى ذئاب التعذيب والحصار، ومن ثم وحوش آكلة لحوم البشر، جعلوا من نهب ثروات الشعوب، وإثارة الفتن والأحقاد بين أبناء الشعب الواحد، ممنيين إياهم بجنة عدن ، تحت شعارات لا يؤمنون هم في داخل أنفسهم بها ، متناسيين قوله تعالى : " وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة"، فقد غدا الظلم وغياب العدل في أيامنا هذه سلعة يسوقها القوي على الضعيف، وبضاعة معروضة في أسواق النخاسة، لا تباع إلا للشعوب المغلوبة على أمرها .
ولعل الإنسان في غمرة كل هذا يقف حائراً وهو يرى على سبيل الحصر شراذم من كافة بقاع العالم، وبمساعدة ذئاب غادرة تحتل أرض فلسطين وتشرد أبناء الشعب الفلسطيني قسراً وعدواناً وبالقوة العسكرية الغاشمة، وبأسلحة لا تخطر ببال أحد زودها به ظالم غشوم أكبر منه، له تاريخ طويل في امتهان كرامة الشعوب، وسرقة مقدراتها، في فيتنام والعراق وغيرها فأين العدل في فلسطين، والغادر قد استعمر الأرض والإنسان والكرامة، وأين العدل في غزة والحصار يخنقها.
أين العدل والقوي المتغطرس يبيح لنفسه ما يحرمه على الآخرين، والقوة والتكنولوجيا، والصناعة، والإنتاج ليس من حق الضعيف، فهذا مهمته الاستهلاك والاستهلاك فقط، إذا سمح له أن يستهلك بالقدر الذي تفرضه مطارق القوي الغلاب.
إن الذين أقاموا من أنفسهم آلهة للبشر، وسعوا للتحكم حتى في الهواء الذي تتنفسه البشرية، ينسون أن هذا ضد منطق التاريخ ونواميس الكون، فما من ظالم بقي ولا من مظلوم نسي أنه قد سلب حقه.
إن إقامة العدل والتخلص من شرانق العبودية والظلم تتطلب من الشعوب التائهة في صحراء شعارات الدول القوية أن تقيم العدل قبل كل شيء، عدل يقوم على تقدير مصلحة الأمة، لا نصوصاً مكتوبة.
واليوم وقد عبرنا بين عامين مودعين العام 2017 بفيتو امريكي جديد يحرم شعب فلسطين حتى من أبسط حقوقه رغمَ أنَ الحقَ بيِن ، ولا يختلف عليه إثنان، ولكنَ القوي المتغطرس لا يريد أن يعرف ، ولا يريد أنْ يعترف فالحقائق لديه مقلوبة ، وظلمه في نظره عدل ما دام لا يمسَ مصالحه ، ومصالح الكيان الصهيوني المدلل الذي أنشأه ليكون قاعدة متقدمة تملك كل عناصر القوة والهيمنة والهمجية بإبادة شعب بكامله والحلول محله باسم مقررات أرادتها هذه القوى، ومنع أي قرار يدين هذا الكيان الصهيوني، وودعناها وقد بدأت في ايران ثورة تطالب بالحرية ولكنها قمعت ولا نعتقد في ذلك نهاية الامر فقد ملت الشعوب القوي المتغطرس كما ملت ضياع حقوقها وسلب حريتها.
وانتهت على نهاية كذبة تنظيمات الخلاص المزعوم الإرهابية المتطرفة ، التي انقلب سحرها على سحرتها ونالنا من عنفها الكثير من التطرف والارهاب والقتل والتخريب بعيداً عن بوصلة تحرير الارض السليبه في فلسطين وهم وغيرهم لا يبعدون عنها الا امتاراً قليلة؟؟، و اللافت للنظر في بعض شعارات التنظيمات الارهابية كما هي شعارات الغرب المتفوق، تعجبك الكثير من النصوص ومجال الصياغة لأن دهاقنة هذه النصوص أخذوا بالشكل ليخدعوا القارئ بالنصوص البراقة والشعارات التي تنتهي بمجرد محاولة تجسيدها على الأرض واقعاً، أما الحقيقة فتجدها في افعالهم وقطع الرؤس وغزو المدن وسبي النساء كما وجدناها في ابوغريب وغوانتنامو عند سيدهم الأمريكي.
كما ودعنا العام 2017 واستقبلنا تاليه 2018، وطبول الحرب لا زالت تدق في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن خاطفة زهرة شباب الامة في معركة لا نعلم عن اسبابها شيئاً، الا الجشع للسلطة وتنفيذ مخططات الاخرين، واستنزاف المزيد من مقدرات أمة كان يمكن ان تكون في طليعة الامم؟
اننا نرى في المستجدات ضرورة لتغيير كل الاستراتيجية العربية وطنياً وقومياً واعادة انتاج تحالافات اقليمية ودولية جديدة، وهنا فمن البديهي أن التغيير في المواقف بحاجة إلى مقدمات ، ولا بد أنَ اصحاب القرار توصلوا إلى قناعة بالحاجة الى تغيير كثير من المواقف والعودة إلى الأرضية الشعبية لتنطلق منها مبادرات حلحلة الازمات والمعظلات، وصولاً الى تغيير كامل للمواقف العربية في مواجهة المشروع الانجلو-سكسوني الصهيوني في المنطقة والذي انتج داعش واخواتها بما يؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات العربية - الدولية برمتها، فقد كانت السنوات الماضية سنوات عجاف ألقت بقسوتها على منطقتنا العربية وعلى وطننا مع حكومات الجباية ، وعلى ثقة الإنسان العربي بنفسه، وبقدرته على التأثير في مجريات الأمور.
ان غياب مشروع عربي يؤسس لإطلاق دور عربي شامل وفاعل هو الذي يجعل العرب فريسة للآخرين، من خلال انقسامهم الى محاور سياسية وطائفية ودينية، ولا يمكن الاستعاضة عن قيام المشروع العربي بالاحتماء بهذه القوة الاقليمية او الدولية أو تلك، فعاجلا أم آجلا يمكن ان تتفق وعندها تضيع المصالح العربية، ويصبح العرب مجرد كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الإقليميين والدوليين، وإذا أردنا أن نتخلص من ظلم القوي الأجنبي فعلينا أولاً تحقيق العدل في بلادنا وتحقيق السعادة لأبنائنا حتى لا يعشش البوم في خرائب صنعناها بأيدينا.