أردنية :سلطية ، نابلسية ، شركسية وأفتخر، فالله حبانا كأردنيين بهذه الميزة، هذا التنوع في مكونات المجتمع الأردني الواحد، والتي نتجت من تزاوج واختلاط قديم وحديث بين أعراق وجماعات كثيرة من أصول ومنابت مختلفة استقرت على الأرض الأردنية، فالتعددية الاجتماعية والثقافية واللغوية ميزت مجتمعنا الأردني بالصلابة والتماسك و، الترابط ، التراحم والتسامح ، الأردن العزيز الذي كان وما زال مفتوحةٌ أبوابهُ لكل العرب، إذا كان بيت الضيق يسع ألف صديق ، فكيف لو كان البيت أردن، أما أهم ما تجمع عليه كل هذه المكونات ، أن الوطن والكرامة والقيادة خط أحمر دونهم القلوب الأرواح .
منذ صغري وأنا أسمع في بيتنا اللغة الشركسية ، فألفتها وطربت على أنغام الموسيقى الشركسية التي عشقها والدي ، فهي لغة أمي الشركسية القادمة من الجولان ، حيث قدمت مع عائلتها من الجولان السوري عام 1948 ، واللغة الثانية لوالدي، فجدتي لوالدي شركسية من وادي السير، أتقن والدي اللغة الشركسية بطلاقة ، أخوالي الشركس طيبو المعشر إلى جانب البساطة والأمانة والشجاعة والفروسية ، وعناد اشتهروا به ، أورثوني بعضاً منه، سكنا في منطقة رأس العين المقابلة لحي المهاجرين ، يُذكر أنه تم إنشاؤه عام 1903، وقد سمي الحي بهذا الاسم نسبة إلى المهاجرين الشركس ، الذين هاجروا من وطنهم القفقاس في روسيا إلى الأردن في أواسط القرن التاسع عشر.
ثم انتقلنا إلى وادي السير ذات الأغلبية الشركسية في ذلك الوقت، صديقات الطفولة، والتي استمرت صداقتي بهن حتى اليوم، شركسيات ، هن أخواتي اللواتي لم تلدهن أمي، مديرتي والنسبة الأكبر من معلماتي الفاضلات هن شركسيات ، أقول لهن(تحوغبسو) وتعني باللغة الشركسية شكراً على كل ما قدمتموه .
حين كبرت وتعلمت أن أكتب اسمي، كان يذيله أسم عائلة تعود في أصولها إلى مدينة عريقة، من أقدم مدن العالم ، يعود تاريخها إلى 5600 سنة، يقال إنها أول مدينة نزل بها سيدنا إبراهيم قادماً من مدينة أور بالعراق ، وبعده النبي يعقوب عليهما السلام، مدينة صارعت الغزاة والمحتلين عبر تاريخها الطويل المشرّف، فهي جبل النار، ودمشق الصغرى، ملكة فلسطين غير المتوّجة، ، مدينة لُقبت بعش العلماء نظراً لكونها مركزاً علمياً وأدبياً، مدينة الزيتون والكروم .ومن لا يحب الكنافة النابلسية ، ومن لم يسمع بالجبنة النابلسية المميزة، والصابون النابلسي .
السلط، وهل أجمل من السلط بطبيعتها الخلابة (أبيش أحلى من السلط) وهل أنقى من هواها ومياهها العذبة مدينة العنب والتين ، السلط العريقة ، العاصمة الأولى لإمارة شرق الأردن ، السلط التراثية من شارع الحمام لشارع الخضر، الى شارع الدير وخربة الدير ومسجد النبي يوشع ، السلط مدينة لا نعيش فيها، بل تعيش فينا ، كان أول قدوم لعائلتي إلى مدينة السلط عام 1834، فمنذ قديم الزمان والطريق بين نابلس والسلط يعج يومياً بالتجار والمزارعين والعائلات التي تتبادل الزيارات، لم يكن في السلط فندق، من دخلها فهو ضيف على كل السلط ، فالسلطيون رجال كرماء ونشامى واصحاب واجب، تزوج أول أجدادي الواصلين إلى مدينة السلط من حسناء سلطية واستقر فيها ، وعمل بالتجارة ، فكانت عائلتي مثل كثير من العائلات النابلسية ساهمت في بناء وإعمار ونهضة مدينة السلط.
هذا ما يميزنا كأردنيين ، وهذا ما يميز الأردن عن سائر البلاد العربية ، هذا التنوع الجميل ، هذه التركيبة الفريدة والتنوع الثقافي، والأثر الذي أضافه كل مكون ، من صفات وثقافة خاصة إلى المجتمع الأردني، التي جعلتنا نتقبل الآخر، نؤمن بالتسامح ، والانفتاح الثقافي، وبأن الاختلاف والتنوع نعمة ، هذا التنوع الذي أثرى وأنضج الهوية الحضارية بمشاركة مختلف المكونات التاريخية لكل الأردنيين ووطّد التماسك الاجتماعي وعزز اندماجه، وأكد على وحدة الوجدان الجمعي والشعبي، نحن الأردنيون نسيج من طراز فريد فكل خيط فيه، له قوة ولون وجمال مميز، نسيج متين عصي على الفرقة، لذلك رغم الظروف الصعبة التي عصفت ولا زالت تعصف بهذا البلد الصغير ، الكبير بقيادته وأهله ، يبقى الأردن نموذجاً للتعايش ، يضرب دائماً مثلا عظيماً بوحدة الصف والتماسك، فمع كل موقف يراهن عليه المُغرضون المشككون بوحدتنا، محاولين زرع بذور الفتنة والتفرقة لزعزعة وحدتنا وخلخلة نسيجنا الوطني، يجدون الأردنيون صفاً كأنّهم البنيان المرصوص ، يضربون أمثلة بالوحدة والعزة والكرامة ، فما تزيدنا المحن إلا تماسكاً وما تزيدنا المصاعب إلا صلابة ووحدة.
حماك الله يا وطني.