كل الدول تستخدم ادوات الضغط المتاحة للتأثير على الاخرين، لكننا اليوم نشهد في واشنطن، نموذجا فجا لهذا التأثير، حين لا يجد الرئيس الاميركي دونالد ترمب، غير المال ليهدد به غيره.
هذه السياسة تمارسها دول عديدة في العالم، لكن ليس بهذه الطريقة التي تؤشر على انعدام وسائل التأثير الاخرى السياسية، وانسداد الافق في وجه الادارة الاميركية، وقد تكررت التهديدات الاميركية مؤخرا للعالم، حين هدد الرئيس عشرات الدول قبيل تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن القدس، وحين تم تهديد ذات الامم المتحدة التي تمول الولايات المتحدة الاميركية جزءا من موازنتها، وحين تم تهديد اليونسكو بذات الطريقة قبيل انسحاب الولايات المتحدة الاميركية منها، وأخيرا تهديد الفلسطينيين عبر تغريدات للرئيس بوقف المساعدات المالية، كونهم لا يعودون للتفاوض مع اسرائيل، ولا يقدرون الموقف الاميركي، والتهديد الضمني بوقف دعم وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، اي الاونروا، ولسبب يتعلق بمفاوضات السلام مع اسرائيل.
واشنطن في هذه الحقبة تحديدا، تكشف عن جهل عميق ازاء معادلات المنطقة، وبرغم ان البيت الابيض ووزارة الخارجية والسفارات الاميركية، والمؤسسة الامنية الاميركية، لديهم معلومات عن كل هذه الدول، وانظمتها، وهناك تعاون وتنسيق سري وعلني بين واشنطن وهذه الاطراف، ويفترضون فعليا التجاوب مع كل ما تريده واشنطن، خصوصا، مع وجود دعم سياسي واقتصادي وعسكري لكثير من هذه الاطراف، الا ان هذا الافتراض يعوزه التقدير الدقيق لكلفة ما يطلبه الاميركيون من كل هذه الاطراف، حتى لو قدمت لهم واشنطن كل هذا الدعم.
سواء دعمت واشنطن ماليا او لم تدعم، لم يكن ممكنا لدول عربية واسلامية، ودول كثيرة، عدم التصويت لصالح قرار القدس، والامر ذاته ينطبق اليوم، على تهديد الرئيس الاميركي اليوم، للفلسطينيين، عبر ملفين، مساعدات السلطة الوطنية الفلسطينية، وتمويل الاونروا، كما ان واشنطن لا تدرك ربما ان ليس بامكان اي جهة فلسطينية، التنازل مثلما تريد واشنطن، فهذا امر غير ممكن لاعتبارات كثيرة ومعقدة في بعض جوانبها.
هذه الطريقة التي يقدم بها الرئيس الاميركي ادارته الى العالم، لم تفعلها اي ادارة سابقة، والكل يدرك ان الادارات السابقة، كان لديها مصالح مع اطراف كثيرة، احيانا تتطابق واحيانا تتعارض، لكن هذه الادارات لم تلجأ الى هذه الطريق بالابتزاز المالي العلني، وفضلت بدلا عن ذلك امرين، اولهما عدم التورط في مواقف سياسية، تؤدي الى اصطدام مع اطراف كثيرة، بما قد يؤدي الى الاضطرار للضغط العلني، اضافة الى اغلب هذه الادارات، بحثت عن بدائل للتأثير والضغط، غير الابتزاز المالي المباشر، وهو ابتزاز يتجاهل ايضا ان لواشنطن مصالح اخرى مع هذه الاطراف، لا بد من حمايتها، قبل ان تكون هذه المصالح لهذه الاطراف فقط، مع واشنطن.
ما يمكن قوله ان لغة الابتزاز المالي، عبر درجات مختلفة، لدول العالم، لغة غير مسبوقة،على مستوى الدول، اذ ان الدول التي تستعمل هذه الطريقة، لا تجاهر حتى بها علنا، وتقوم بتسريب رسائلها وتهديداتها، الى الطرف المعني، دون ان تجاهر بذلك، حتى لا تبدو بصورة سلبية جدا، اضافة الى ان هذه اللغة في الاساس، لا تعبر عن اي لباقة سياسية، مثلما لا تحمي مصالح الدول، ولا تؤثر فعليا.
الدستور