لا يغيب عن بال المواطن الأردني المعاناة التي يعانيها بسبب التوقيع، وذلك في أحاديثه اليومية؛ فتجد سائق سيارة الأجرة يحدثك عن إحدى المشاكل التي يعاني منها الكثير من المراجعين للمديريات وغيرها من دوائر الحكومة الرسمية، وهذه المشكلة جوهرها يكمن في التوقيع.
وبمعنى آخر، فإنني أكتب في هذه الأسطر عما هو قديم وعما هو بحاجة إلى استئصاله من عمق الحياة اليومية للمواطن الأردني، ألا وهو: "الروتين"!.
ولا يستطيع أي إنسان ذو موضوعية وعقلانية تبرير "الروتين"، لأنه حقيقة لا توجد هناك حجج منطقية يستند إليها الإنسان الذي يريد التقدم والازدهار لبلده حتى يبرره! فيطرح الإنسان المخلص لبلده السؤال التالي على المسئول: لماذا كل هذا؟
ورقة بخمسة تواقيع عفوا خمسة عشر توقيعا! وربما احتاج كل توقيعين أو ثلاث إلى يوم طويل من حياة المواطن، تذهب معظم ساعاته في النزول والصعود على سلالم الدوائر، وفي الانتظار الممل، وربما لم يكن المسئول موجودا هنا أو هناك فيضطر المواطن نفسه إلى تبليل ورقته فيشرب ماءها! وهذا ما حصل مع العديد من المواطنين الذين يحتاجون إلى توقيع واحد فقط لإنهاء المعاملة، بينما حصلوا بعد جهد مضن على أربعة تواقيع أو خمسة! فلماذا كل هذا؟
الجواب لا يأتي من الفراغ؛ فالمواطن الأردني بفضل الانفتاح الواسع على العالم، يعرف ما هو "الروتين" بالنسبة للدول المتقدمة، ولتحترق أعصابه على ما هو هنا لما هو هناك! فيشعر بأنه بلا قيمة أو حتى مجرد أدنى تقدير من قبل المسئول، رغم أن المسئول يفترض به أن يبحث عن قيمته وتقديره لدى المواطن، وأن يقوم بخدمته ليس حبا به أو كرها له، إنما محبة للوطن على الأقل! فيعود السؤال ليطرح نفسه من جديد: لماذا كل هذا؟
التوقيع مطلوب، نعم نؤيد المسئول، ولكن لماذا أربعة عشر أو خمسة عشر توقيعا؟ هل لجني المزيد من الرسوم؟ أم إرهاقا لراحة المواطن؟ أم للاشيء؟
لا أعتقد هذا أو ذاك، إنما أعتقد أن الجواب هو: ليبقى المسئول على الكرسي! والواقع أن الكرسي ليس ثابتا لفترة طويلة لدى أي مسئول؛ فهو في النهاية سيعود مواطنا يبحث عن التوقيع لدى مسئول آخر! لذلك أقصد بكلمة الكرسي هنا: الجاه والهيبة والوقار!
فمثلما أن مشاهير العالم في أي مجال من مجالات الشهرة، يشعرون بالفخر والاعتزاز عندما يوقعون للمعجبين بهم، هكذا هو شعور المسئول، لكن الفرق –وهو واضح– أن هذا المسئول يوقع لشخص قد عانى ما عاناه ليحصل على توقيعه، فهو إذن ليس بمعجب به إنما هو(...)!
لذلك أرجو من كل مسئول محاولة طي صفحة التوقيع ، وأعرف أن هذا يعود للحكومة قبل المسئول، فما رأي الحكومة؟ هل نختصر الإجراءات المملة؟ هل نختصر التواقيع؟ وهل نضيف ما هو جديد وحديث للإدارة؟
الكرة الآن في ملعب الحكومة؛ فلنرى ماذا ستفعل.